عندما تطلق كلمة فساد، تتبادر إلى أذهان الناس معاني متفاوتة تختلف باختلاف اهتماماتهم، منهم من يتبادر إلى ذهنه الفساد بمعنى الوقوع في النواهي الدينية المتعلقة بالسلوك الذاتي، مثل الانغماس في اللذات المحرمة التي في معظمها تقع مغبتها على الفرد نفسه بالدرجة الأولى، ومنهم من يتبادر إلى ذهنه الفساد بمعنى الانحراف في سلطة الدولة بعيدا عن الحق، كأن تبتعد في سياساتها عن العدالة وتنغمس في التسلط والجبروت، ومنهم من يتبادر إلى ذهنه، الفساد بمعنى الدمار والتخريب في البناء الاجتماعي ككل، وذلك حين تشيع في المجتمع الرشوة والاختلاس وخيانة الأمانة والظلم واستغلال النفوذ والمحاباة وما شابه ذلك من أنواع السلوك المنحرف، الذي يقع ضرره على عامة الناس وليس على الفرد وحده. وقليل من الناس، الذين يتبادر إلى ذهنهم الفساد في صور أخرى أعم وأشمل، صور، مع الأسف تكاد تشمل كثيرين، مثل إتلاف المال في مظاهر لاقيمة لها، وأخذ الأجرة دون تقديم العمل كما يجب بفعل الكسل والإهمال، ومثل ادعاء مهارة مفقودة، أو حمل درجة علمية زائفة، أو إسناد العمل إلى من هو غير مؤهل لأدائه، كأن يعمل الطبيب مهندسا والمهندس طبيبا، أو تأخير إنجاز العمل والتراخي في أدائه، هذه كلها صور من أشكال الفساد، وهي في مجملها تشترك في كونها تمثل رذيلة. الفساد في كل أشكاله، سلوك مناقض للفضيلة، وما كان هذه صفته، يتوقع أن لايعيش طويلا بين الناس، لكن الواقع يبطل ذلك التوقع، فالفساد قائم في معظم مجتمعات العالم يتسلل إليها فارضا ذاته بين جوانبها، إلا أن قدرته في السعة والانتشار، تزيد وتنقص في المجتمعات حسب ما تعده المجتمعات من أدوات المكافحة تصده بها. من أين يستمد الفساد هذه القوة على البقاء والتوسع؟ إني هنا لا أتحدث عن غياب عوامل الصد والمكافحة، كالمراقبة والمحاسبة وإيقاع العقوبات إلخ، ما أعنيه يتعلق بالتساؤل حول بواعث الفساد في نفوس البشر! لم يقع الناس في الفساد رغم أنهم يقولون عنه أنه رذيلة؟ لم يقعون في الفساد وهم يكرهون أن يعيشوا في داخل إطار منه؟ هل الفساد جزء من طبيعة الإنسان، محفور في التكوين الفطري للبشر؟ وهل لهذا السبب افترض الملائكة أن خلق الإنسان، ينتج عنه الفساد لذلك قالوا لله سبحانه: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)؟ الفساد كما يظهر، يرتبط بمداعبة العواطف وإشباع الرغبات، وهذا يعني أن بينه وبين العقل بونا شاسعا، فالفساد يموت في ظلال العقل، ولا يعيش إلا في إطار من العواطف والشهوات. وحين يعيش الناس بعواطفهم وانفعالاتهم، يضحون أسرى للشهوات فينطلقون لإشباعها لايرون سوى المسرة التي يجلبها ذلك لهم، ومتى طغت العواطف وصار الناس أتباعا لما يداعب رغباتهم وشهواتهم، توارى العقل، والعقل هو الذي يدعو إلى مراعاة أحكام الدين، وإلى إرضاء الضمير، لكنه متى توارى، توارى معه كل ذلك. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة