أكد نائب رئيس ديوان الوقف السني عضو اتحاد علماء المسلمين وخطيب مسجد أم القرى في بغداد الدكتور محمود الصميدعي أن إنشاء اتحاد علماء المسلمين في العراق من ثمار مؤتمر مكةالمكرمة لحقن الدماء، مؤكدا على أن المؤتمر لم يفشل بشكل كامل كما يتداول البعض، ودلل على نجاح المؤتمر باعتماد وثيقة المؤتمر مرجعية لكل العلماء في العراق ومباركتها من قبل المراجع الدينية خارج وداخل العراق. ولفت الصميدعي إلى أن وثيقة مكة لاقت تأييدا كبيرا من الشعب العراقي بعدما أدرك أهميتها وطالب بتفعيلها على أرض الواقع. وأشار الصميدعي إلى أن اتحاد العلماء في العراق نجح بشكل كبير في استتباب الأمن في العراق والتقليل من العمليات الإرهابية وزرع معاني الأخوة الإسلامية بعيدا عن التصنيفات الطائفية والتي ألقت بظلالها على وحدة الشعب العراقي. وأفاد الصميدعي إلى أن علماء العراق من مختلف الطوائف يقفون صفا واحدا ضد تقسيم العراق على أساس فيدرالي، مشددا على أن التقسيم يعتبر خطا أحمر لديهم. وأثنى الصميدعي على جهود المملكة العربية السعودية في وحدة العراق بوقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطياف، مبينا أنه يدل على ذكاء وحنكة السياسة السعودية التي لا تريد أن تدفع فئة دون الأخرى، لأن ذلك قد يزيد من رقعة العنف. وأوضح الصميدعي أن ديوان الوقف السني يخدم أكثر من 13 ألف مسجد في مختلف أرجاء العراق، مبينا أن الديوان نجح في إعادة بناء 60 في المائة من المساجد المهدمة في جميع أرجاء العراق، جاء ذلك في الحوار الذي أجرته «عكاظ» مع الصميدعي فإلى التفاصيل: • بداية حدثنا عن اتحاد علماء المسلمين وانعكاس ذلك على الوضع في العراق؟ أنا عضو الأمانة العامة في الاتحاد وعضو الأمانة العامة لمجلس علماء العراق الخاص بأهل السنة، واتحاد علماء المسلمين هو اتحاد مشترك انبرت ثلة من أفاضل العلماء ليضيقوا الفجوة بين الأطياف المختلفة، حيث ظهرت شعارات سنية وشيعية، لذلك انبرى هؤلاء الأفاضل من السنة والشيعة والأكراد ليقولوا للناس أننا أمة واحدة لا ينبغي أن تتفرق أبدا ولا فرق بين هذا وذاك والمذاهب ما هي إلا مدارس ينبغي أن نستفيد من ثرواتها الفقهية وينبغي أن تجمعنا هذه المذاهب ولا تفرقنا، والآراء المذهبية ليست سوى ثروات فقهية تضيف لنا رصيدا على رصيدنا من الكتاب والسنة. وثيقة مكة • كثيرون تحدثوا عن فشل وثيقة مكةالمكرمة لحقن دماء العراقيين التي تم توقيعها في مكة خلال شهر رمضان قبل أكثر من عامين، كانت هذه الوثيقة بذرة لإنشاء اتحاد علماء المسلمين، ما هو ردكم على تلك الأقوال؟ أنا أول من طالب بتوقيع الوثيقة في إحدى خطب الجمعة على خلفية أحداث حي الجهاد في بغداد، وفي ذلك الوقت كانت الميليشيات الطائفية تدخل البيوت في عز الظهر وتقتل، وصارت هناك ضجة كبيرة في البلاد، فوقفت على المنبر في الجمعة التي تلت تلك الأحداث واقترحت على أهل العراق وعلمائه من السنة والشيعة والأكراد أن يأتوا بمراجعهم إلى مكةالمكرمة ويظهروا في منابر الإعلام ويتعاهدوا على عدم الفرقة ويقولوا للقتلة في البلاد إننا بريئون منه، وأخذ الإعلام تلك الدعوة وأوصلها إلى الجامعة العربية التي تبنت تلك الدعوة وأعطتها لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي اهتمت بها وانضممت كعضو لجنة تحضيرية لإعداد بنود الوثيقة في جدة، و في النهاية جلسنا جميعا في 29 من رمضان كعلماء سنة وشيعة وأكراد في مكةالمكرمة وتعاهدنا على ذلك. لكن في الحقيقة هناك دخلاء في العراق لا يروق لهم استقرار البلاد لذلك لم تنجح تلك الوثيقة ذلك النجاح الكبير لكنها نجحت في كثير من الأمور، أولها إنشاء اتحاد العلماء المسلمين على أثر هذه الوثيقة، وتبنى الاتحاد بنود وثيقة مكة دستورا لا يحيد عنه. حظيت بنود الوثيقة بالموافقة والترحيب والتأييد من قبل مراجع أهل السنة والشيعة، عالميا وليس فقط على مستوى العراق والوثيقة نجحت نجاحا كبيرا لأننا سنتخذ من بنود الوثيقة دستورا للبلاد لا ينبغي لأحد أن يتجاوزها ومن يتجاوزها فهو خارج عن ضوابط المرجعية والعلماء والأمة الواحدة. • إذن فإن اتحاد علماء المسلمين هو إحدى ثمرات وثيقة مكةالمكرمة؟ نعم هو ثمرة كبيرة لتلك الوثيقة وفي الحقيقة فإن الشارع العراقي يطالبنا اليوم بتفعيل تلك البنود هذا نجاح كبير في رأيي، وهذا يعني أن جميع الشعب العراقي استوعب تلك البنود وأيدها ويطالب بتفعيلها بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية والمرجعيات السنية والشيعية نعمل على تفعيل الوثيقة، وهناك أفكار لإقامة مؤتمر آخر في مكةالمكرمة إذا ما تهيأت الأسباب له، وفي رأيي فإن هذا المؤتمر سيؤدي إلى وحدة أبناء العراق خصوصا أن الشارع العراقي مهيأ لذلك. • مؤتمر آخر يتبع ذلك المؤتمر ويتحدث عن إنجازاته؟ نعم ويعيد بنود المؤتمر الأول. مؤتمرات وإنجازات • مضى أكثر من ثلاثة أعوام على توقيع وثيقة مكةالمكرمة، ما هي أبرز المنجزات التي تحققت خلال تلك الفترة؟ من الإنجازات، كما ذكرت، اتحاد علماء المسلمين الذي عمل على مؤتمرات كثيرة في العراق جمع فيها أهل السنة والشيعة والأكراد في بغداد، وهناك مؤتمر عقد في بغداد للمسيحيين حيث جمعنا العلماء للتصدي لمحاولات تهجير المسيحيين الذين لهم عهد في أعناقنا، وحضر المؤتمر ممثل للجامعة العربية وآخر لمنظمة المؤتمر الإسلامي والفاتيكان والكنائس العالمية والمرجعيات والعلماء في العراق، كذلك حضر المؤتمر رئيس وزراء العراق وكان له نجاح كبير، ومن الإنجازات كذلك أننا استطعنا أن نتداخل في المجتمعات السنية والشيعية وصرنا نتزاور ومرة ذهبنا إلى سامراء ومرة إلى النجف ومرة إلى كربلاء والبصرة والأنبار والإعلام ينقل تلك الأحداث للشعب العراقي. • ما هي انعكاسات هذه المؤتمرات على الوضع الأمني في العراق الذي كان في اضطراب كبير بسبب القتل الطائفي وممارسات الميليشيات؟ تحقق قدر كبير من الأمن في العراق بفعل هذه المؤتمرات وبفعل الخطط الأمنية وكذلك فقه الشعب العراقي الذي عرف أبعاد المؤامرة وفي نفس الوقت حارب أهل السنة القاعدة وقام الشيعة كذلك بمحاربة الميليشيات. اتضحت أبعاد المؤامرة. نأمل أن يتحقق الأمن كاملا خلال الفترة القليلة القادمة. • البعض راهن على فشل الوثيقة بسبب غياب المرجعيات الشيعية الرئيسية وحضور مرجعيات من الدرجة الثانية هل حدث ذلك أم أن المرجعيات الرئيسية باركت الوثيقة وأيدتها؟ أصل الدعوة كان يقتضي حضور كبار مرجعيات الجانبين، سنة وشيعة وطالبت من المنبر بحضور المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بنفسه دون أن يرسل ممثلا وكذلك السيد الحكيم ومقتدى الصدر والشيخ حارث الضاري وعبدالكريم زيدان والدكتور محسن عبدالحميد وعبدالملك السعدي بأنفسهم، وطلبت أن يظهر هؤلاء ويتعاهدوا أمام الجمهور على الشاشات ويخاطبوا أفراد الشعب العراقي ويعلنوا تبرؤهم من أي عراقي يقتل أخاه العراقي، لكن لم يحدث ذلك وربما كان هو السبب في الفشل الجزئي للمؤتمر ولكن المؤتمر على المدى الطويل بدأ يعطي ثماره لأن المرجعيات الكبرى من السنة والشيعة باركت نتائج المؤتمر. تقسيم العراق • هناك دعوات حاليا لتقسيم العراق على أساس فيدرالي بحيث تكون هناك مناطق للسنة وأخرى للشيعة وثالثة للأكراد، ما دور اتحاد العلماء في نبذ هذه الفكرة؟ حقيقة نحن نرفض الفيدرالية ونرفض التقسيم ونصر على أن العراق بلد واحد ولا يمكن أن يفرقه أحد والفيدرالية التي يراد بها تقسيم العراق، وإذا كان هناك نظام فيدرالي يتمسك بالحكومة المركزية على غرار إقليم كردستان فهذا لا بأس به، شريطة ألا يؤدي إلى تقسيم العراق، نحن في الاتحاد ننظر إلى تقسيم العراق على أنه خط أحمر. • إلى أي مدى تتعاون معكم الحكومة العراقية لاسيما وأنكم جميعا تعملون لتحقيق نفس الهدف وهو وحدة واستقرار العراق؟ هناك تعاون كبير في الحقيقة والحكومة العراقية توافق دائما على طلباتنا، وذكرنا للحكومة أنه لا يمكننا الاستجابة لكل ما تريده، فنحن جماعة دينية وطنية نقر ما هو وفق الشريعة الإسلامية وما يتوافق مع أُسس الوطنية الحقة، وإذا رأينا خلاف ذلك ننكره في وسائل الإعلام نحن مع كل ما يتوافق مع الإسلام ومصلحة العراق من تصرفات الحكومة العراقية. وحدة وجهود • في افتتاح جسر الأئمة وجدنا هناك صورة تناقلتها وسائل الإعلام تظهر الدكتور أحمد عبدالغفور السامرائي مع رئيس ديوان الوقف الشيعي في عناق فوق الجسر. ما هو أثر تلك المشاهد على الشعب العراقي ودورها في نبذ العنف والعصبيات الطائفية التي يثيرها من يريدون استمرار الفتن؟ كنت حاضرا وكنت ممن احتضن الآخرين من أهل الكاظمية، نحن جئنا كديوان وقف سني من جهة الأعظمية في وفد يتقدمه الدكتور أحمد عبدالغفور السامرائي وكذلك جاء السنة من أهل الكاظمية يتقدمهم السيد رئيس ديوان الوقف الشيعي فاحتضن بعضنا بعضا وجلسنا سوية وتحدثنا، وكان لذلك أثر كبير في الشعب العراقي وأهم جسر يربط بين مدينتين عريقتين في العراق، مدينة تعتبر مرفأ لأهل الشيعة وهي الكاظمية، ومدينة أخرى تعتبر مرفأ لأهل السنة وهي الأعظمية لنقول للجميع إن العراق مرفأ للجميع لا سنة ولا شيعة ولا كاظمية ولا أعظمية، بل شعب عراقي واحد. مدن العراق تحتضن كل الشعب العراقي ولا تفرق بين أبنائه. • كيف تنظرون لجهود المملكة العربية السعودية في دعم استتباب الأمن في العراق والمساهمة في تحقيق الوحدة الوطنية؟ ننظر إلى المملكة بكل تقدير ونرى من قادة المملكة سواء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وباقي الحكومة السعودية الكريمة وقوفهم على مسافة واحدة من جميع الأطياف، وهذا الموقف يدل على ذكاء وحنكة السياسة السعودية التي لا تريد أن تدفع فئة دون الأخرى لأن ذلك قد يزيد من رقعة العنف. لذلك فإن هذا الموقف محل تقدير كبير، لكنا لا زلنا ننظر إلى المملكة بعين ترى المملكة أنها قائدة الدول العربية لذلك نريد الأكثر وما لمسناه جيد وطيب ولكنه يحتاج إلى المزيد. انحسار العنف • هل تراجعت نسبة الاعتداءات على المساجد السنية والشيعية التي كانت سائدة في ظل الأوضاع الأمنية السابقة وانتهت هذه الظاهرة؟ انتهت هذه الظاهرة، المساجد لم تعد تتعرض لأي اعتداءات، بل فتحت 80 في المائة من المساجد التي كانت مغلقة أو مغتصبة،وصارت الصلوات ترفع بانتظام في هذه المساجد بمواقف قوية من السنة والشيعة. • إذن ترى أن العراق يسير في الاتجاه الصحيح؟ نعم ويسير كذلك في طريق الاستقرار التام بإذن الله. • ماذا عن إعداد الأئمة والدعاة، كيف تسهمون في هذا الجانب ؟ نحن كوقف سني يتبع لنا 13 ألف مسجد في العراق وندعم هذه المساجد ماليا ومعنويا، حيث نقوم بتعيين إمام وخطيب في كل مسجد وخادم ومؤذن، حسب حجم المساجد، وبعض المساجد الكبيرة بها 20 خادما، حيث نقوم بدفع رواتب مجزية لهذه المساجد وقمنا كذلك بإعمار 50 في المائة من المساجد التي تعرضت للتخريب ولازلنا بصدد إعمارها وصيانتها. • هل تتلقون دعما حكوميا من أي جهة؟ نتلقى دعما حكوميا هو الأكبر ومن أموال الوقف كذلك وننفق كل هذه الأموال على المساجد وإعادة ترميمها من جديد. • ماهو دوركم في الخلافات والنزاعات التي تحدث داخل العراق بين الحكومة وبعض الاحزاب؟ نحن نسلك طريقا مستقيما، ونرفض الخلاف ونرحب بالاختلاف الذي هو أمر بشري، ونرفض النزاع والخلاف، ولنا أدوار في فض هذه النزاعات قدر المستطاع، وإذا كان الخلاف حول قضية كبرى لن نستطيع فضها فنحن نكتفي باستنكار النزاع. • كلمة أخيرة؟ أشكر صحيفتكم الكريمة على إتاحة هذه الفرصة وأدعو العراقيين جميعا إلى أن يفهموا حقيقة أنه ليس باستطاعتهم العيش في هذا البلد أو أن يبنوه إلا على أساس الأخوة والمحبة والولاء لبعضهم البعض، كذلك أدعو الإخوة في الدول العربية والإسلامية إلى أن تنظر إلينا بعين التعاون على الوحدة، فنحن ننتمي إلى أمة عربية كبيرة، وهذه الأمة هي التي تحتضننا وأدعو إلى فتح سفارات ومكاتب واحتضان جميع الأطياف وعقد المؤتمرات، ويمكن للمملكة أن تدعو قيادات جميع الأطياف لمؤتمر أخوي كبير يكون له تاريخ، كذلك أدعو الدول الأخرى لأن تكون معنا بثقلهم حتى نكون في طريقنا الصحيح ويدفعنا إلى بذل المزيد.