لا يهم إن كانوا عشرة أو عشرين أو أربعين أو أكثر أو أقل، المهم أنهم الآن تحت طائلة المساءلة التي ظنوا أنها رابعة المستحيلات لدينا. هم الآن يواجهون الحقيقة التي لم يكن بعضهم يظن أنه سيواجهها في يوم ما. تزامن عجيب أراده القدر أن يقول خادم الحرمين الشريفين عن كارثة جدة في حديثه لصحيفة السياسة الكويتية يوم السبت: «لقد تألمنا لما حدث وواسينا منكوبي السيول، لكن ذلك لا يكفي إذ يجب تحديد المسؤول ومحاسبته، ولن نتهاون مع أي مقصر في هذا الشأن»، وفي مساء اليوم نفسه يبدأ توالي الأخبار عن توقيف عدد من المسؤولين من مختلف المستويات في أكثر من جهة للتحقيق معهم على خلفية الكارثة المحزنة.. وللحق فقد خلعت نظارتي وفركت عيني بقوة عندما قرأت في هذه الصحيفة يوم السبت خبرا بارزا عن طلب لجنة التحقيق ملفات بعض المسؤولين في أمانة جدة بأثر رجعي يمتد من الآن إلى 30 عاما مضت. لم يكن المهم إن كانوا في الأمانة أو غيرها، ولكن السؤال الذي كان يرج في رأسي: هل أصدق ما قرأته؟؟ هل ستصل الجدية والصرامة إلى هذا الحد؟؟ ظللت أعاني تحت وطأة هذا السؤال حتى انتشلتني اللحظة التي قرأت فيها أخبار المساء التي أكدتها صحف الأمس عن استدعاء وتوقيف أكثر من 40 مسؤولا، ليتأكد لي أن الله مع هذا الملك الصالح العادل حين أكد عدم تهاونه مع أي مقصر، لتبدأ في يوم تأكيده أول خطوة تنفيذية تثبت أن من أوكلهم هذه المسؤولية لن يخذلوه ويخذلونا. لابد للجنة تقصي الحقائق أن تعذر الناس الذين كانوا يتململون ويتساءلون ويستعجلون سماع شيء. لابد أن تعذرهم لأن ما حدث في جدة كان صدمة عنيفة لكل الوطن، صدمة في الحجم والمدى الذي بلغه التهاون بكل شيء، المسؤولية والأمانة والنزاهة والضمير، وأهم من ذلك أن أرواح البشر لم يكن لها أدنى قيمة لدى منظومة المتهاونين والمقصرين والمتلاعبين وكل المتواطئين معهم.. لابد للجنة أن تعذرهم لأن أسماعهم أوشكت أن تنسى تماما أن في حياتنا مصطلحات حقيقية ك: المساءلة والمحاسبة والعقاب.. التجارب لا تسمح لهم بتصديق حضور هذه المصطلحات بسهولة، ولكنهم اليوم يعيشون الحقيقة التي وعد بها من إذا قال صدق وفعل.. وما دمتم يا إخواننا في اللجنة قد كسرتم هذا الحاجز النفسي الكثيف، فإن الثقة فيكم ستزداد بأنه لن يكون هناك مهرب لمسؤول عما حدث «كائنا من كان»، وأنكم تسجلون في تأريخنا الوطني مرحلة مضيئة تمسح الكثير من خيبات الماضي، وتبعث الكثير من التفاؤل بالمستقبل. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة