حتى عهد قريب كانت كلمة المحاسبة تستخدم في قضايا الحسابات اليومية والختامية للشركات والدوائر الحكومية كأقسام المحاسبة التي تطرح أرقاما تحاول من خلالها إثبات «صحة» الحسابات والمصروفات والميزانية المطروحة. وحتى بعد أن صدر الأمر الملكي لخادم الحرمين الشريفين بتشكيل لجنة التحقيق في كارثة الأربعاء الحزين ظل البعض، ونتيجة لخبرات سابقة، يعتقد أن هذه اللجنة في نهاية الأمر ما هي إلا محاولة تهدئة النفوس في ظل الغضب العارم نتيجة «الأخطاء» التي مورست في جدة، والتي نتج عنها عشرات الضحايا الأبرياء ومليارات من الخسائر المادية التي كان المتسبب فيها عبث الفساد إلا أن الأخبار التي أطلت علينا يوم 27/12/2009 بتوقيف (40) شخصا لهم علاقة بتلك الفاجعة أوضحت بما لا يدع مجالا للشك أنه آن أوان زمن المحاسبة. إن من تم إيقافهم بينهم مسؤولون سابقون وآخرون على رأس العمل ومقاولون ومسؤولون في الأمانة ومديرية المياه والصرف الصحي بمن فيهم مسؤولون سابقون ولاحقون، وبالطبع فإن التحقيقات ما زالت جارية وسيطال الإيقاف متورطين آخرين والأبرياء منهم سيثبتون من خلال التحقيقات براءتهم. وهنا بالتحديد تتجسد كلمات خادم الحرمين الشريفين وتتحول إلى واقع عملي. لقد قال أثناءها «فإنه من المتعين علينا شرعا التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولوية فيه والمسؤولين عنه جهات أو أشخاصا ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة والمسؤولية الملقاة عليه والثقة المناطة به، وأخذا في الاعتبار مسؤولية الجهات المعنية كل فيما يخصه أمام الله تعالى ثم أمامنا عن حسن أدائها لمهماتها ومسؤولياتها والوفاء بواجباتها، مدركين أنه لا يمكن إغفال أن هناك أخطاء أو تقصيرا من بعض الجهات ولدينا الشجاعة الكافية للإفصاح عن ذلك والتصدي له بكل حزم، فهؤلاء المواطنون والمقيمون أمانة في أعناقنا وفي ذمتنا، نقول ذلك صدقا مع الله قبل كل شيء، ثم تقريرا للواجب الشرعي والنظامي وتحمل تبعاته» إنها ليست مجرد كلمات كما يتصور البعض أو مجرد ديباجة يراد منها تخفيض وتنفيس ذلك الغضب. إنها بالفعل تعني ما تقول وقد وفرت الغطاء القانوني والنظامي للجنة التحقيق التي وعبر هذه الكلمات أصبح في عنقها تنفيذ هذه التوجيهات وبدقة صارمة وإلا أصبحت مخلة بالأمانة، وقد أثبت سمو الأمير خالد الفيصل أنه الأجدر بتحمل هذه الأمانة، وها هو قبل اكتمال شهر من تشكيل لجنة التحقيق يصدر الأوامر للجهات المختصة بتوقيف 40 مسؤولا سابقا في جهات عدة. إن أولئك الفاسدين الذين اعتقدوا للحظة أن الأمر سيجري وسيختار كبش فداء كحالة شكلية لإنهاء الوضع كانوا مخطئين تماما فنحن الآن في زمن عبد الله بن عبد العزيز إننا في زمن محاسبة المقصرين والفاسدين. من الطبيعي جدا أن الناس ينتظرون المزيد وينتظرون نشر الأسماء ومقدار الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين لأن ذلك حق لهم وأعتقد أن الأمور تسير بهذا الاتجاه. يقول خادم الحرمين الشر يفين في رده على سؤال «السياسة» الكويتية حول كارثة جدة «لقد تألمنا لما حدث وواسينا منكوبي السيول، لكن ذلك لا يكفي إذ يجب تحديد المسؤول ومحاسبته ولن نتهاون مع أي مقصر في هذا الشأن، لقد كشفت السيول عما يجب أن نفعله في الأيام المقبلة وتحسين البنية التحتية سواء في جدة أو في المدن السعودية الأخرى». إن خادم الحرمين الشريفين يعي أن هذا الوضع ليس مقتصرا على جدة وحدها، وفي المدن الأخرى مورس الفساد كما في جدة وربما أكثر وما ننتظره يا خادم الحرمين الشريفين أن لجانا للتحقيق تشكل في كل المناطق والمدن وعلى مستوى لجنة التحقيق التي تشكلت في كارثة جدة وبمستوى مسؤولها الأول الذي يسعى ويعمل من أجل دخول وطننا إلى «العالم الأول» تقوم بذات الدور لتدرس واقع المدن وواقع المشاريع المنفذة ومدى مطابقتها للمواصفات والمقاييس التي على أساسها رست تلك المشاريع، التحقق من المنفذين الفعليين لتلك المشاريع المهمة والأساسية لأنها بنية تحتية أساسية، هل هم من رست تلك المشاريع باسمهم أم هم مقاولون من الباطن؟ وكم هي الأموال المهدرة في كل منطقة ومدينة على تلك الألاعيب المكوشفة؟ ومحاسبة المقصرين والفاسدين في كل المناطق لترسيخ ثقافة محاربة الفساد وتفعل هيئة النزاهة ومحاربة الفساد لتصبح رقيبا حقيقيا وعينا للدولة على التنفيذ الفعلي على الأرض لكل المشاريع الحكومية وبمساعدة ودعم من المجتمع المدني الذي نتمنى تشريعه وفعاليته ليساهم المواطنون في محاربة المقصرين والفاسدين. إن ذلك في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين ليس ببعيد وقد نرى لجان التحقيق والمحاسبة تصبح سمة سائدة لكل المدن والقرى لنبدأ عهدا جديدا يستأصل شأفة الفساد في زمن المحاسبة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة