يعتبر الأديب والمفكر سعد المليص من رواد التعليم الأوائل في المملكة العربية السعودية، وأحد رموز الفكر والأدب والثقافة؛ حيث ساهم بجهده في إثراء الساحة الثقافية والأدبية. استهل مسيرته التعليمية بأحد كتاتيب مكةالمكرمة، ثم انتقل إلى مدارس الرحمانية التحضيرية، والابتدائية، كما درس بالمعهد العلمي السعودي بمكةالمكرمة، والثانوية والعالية الصولتية، وفي أورقة المسجد الحرام حتى عام 1368ه، وعندما عاد إلى منطقة الباحة لنشر العلم وتأسيس التعليم النظامي بالمنطقة انخرط في الأعمال الإدارية والتربوية والاجتماعية منذ عام 1368 ه حيث بدأ موظفًا إداريًا بمالية منطقة الباحة المسماة سابقًا بمنطقة الظفير عام 1368ه، ثم مديرًا للأحوال المدنية بمنطقة الباحة قبل 1369ه والتي كانت تسمى «إحصاء النفوس بالظفير»، وفي عام 1370ه عمل مديرًا عامًا لمدارس بني ظبيان ابتدائي ومعهد معلمين ومدارس ليلية وحكومية وأهلية في قرى المنطقة، حتى تم نقله للعمل التوجيهي التربوي بإدارة تعليم الباحة، وعمل مشرفًا على بعض مدارس المنطقة خلال الفترة من عام 1370ه حتى عام 1385ه، حيث عين مديرًا عامًا للتربية الإسلامية وأمينًا عامًا للتوعية الإسلامية بمنطقة الباحة التعليمية منذ عام 1385ه حتى عام 1405ه، كما كان عضوا بمجلس منطقة الباحة منذ عام 1414ه حتى عام 1422ه، وترأس لجنة الخدمات الاجتماعية بالمجلس. كذلك شغل المليس منصب رئيس نادي الأدبي بالباحة لمدة 14 عامًا منذ 1415ه، ورئيسًا للجنة الإعلامية لجائزة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود لحفظة كتاب الله وكان رئيسًا للجنة الثقافية بإمارة منطقة الباحة.. وطوال هذه المسيرة ظل المليص وفيًا للكتاب، شغوفًا باقتنائه، حتى تكون له مكتبة ثرة بالمؤلفات من مختلف المعارف والثقافات، ضمها منزله بقرية الريحان ببني ظبيان.. عشرة آلاف عنوان بدأ المليص في تأسيس هذه المكتبة في دار والده في قرية الريحان عام 1377ه وهو طالب في المرحلة الابتدائية، حيث كان يقتني كتبًا دراسية من مكةالمكرمة بمال كان يدخره من مصروفه، فكان يحرم نفسه من الأكل والشرب مقابل شراء كتاب أو مجموعة وريقات أو حتى قصاصات صحفية وقطع من مجلات ذاك التاريخ الجميل. عن هذه المكتبة يقول الشيخ سعد المليص: كنت أحرص على اقتناء جميع كتبنا الدراسية التي كانت طبعتها وتصويرها آنذاك أمرًا صعبًا جدًّا في ظل قلة الموارد المالية؛ إلا أنني استطعت -ولله الحمد- أن أجمع كل ما يقع تحت يدي من كتاب أو قصة أو صحيفة للاستفادة منها من قبل أبنائي الطلاب؛ حيث فتحت المكتبة للجميع كبارًا وصغارًا، وكانت بمثابة مركز حضاري تربوي مصغر، أثر في الكثير من الطلاب، حتى في ليالي القرية النعاسة كان كثير من الطلاب يتسامرون على الكتب ويتبادلونها في أجواء هي الأصح والأصلح لمجتمع تعليمي وتربوي، فبدون المكتبة العلمية لا مجال للتعلم. ويمضي المليص في حديثه كاشفًا عن محتويات مكتبته والطريقة التي جمع بها بقوله: لدي الآن أكثر من عشرة آلاف عنوان، جميعها مفهرسة، وقد زرت العديد من دول العالم، وكنت أقتني الكتب وأشتريها من المكتبات المعروفة، وقد توزعت مكتبتي في عدة أماكن، فتجد في بعض الأركان من المنزل مجموعة من الكتب، كما أن في الملحق الآخر من المنزل أيضًا مجموعة من الكتب. ويرتاد الزوار كل يوم مكتبتي من أجل الاطلاع والقراءة؛ إلا إنني لا أعير شيئًا من كتبي خوفًا من ضياعها، وأرحب بكل الباحثين والمهتمين بالعلم من أبناء المنطقة والذين يفدون إلى مكتبتي. النشأة في بيت علم ويعود المليص بذاكرته إلى واقع التعليم قبل العهد السعودي قائلًا: كان التعليم النظامي يكاد يكون منعدمًا قبل العهد السعودي، ففي مكة ينحصر التعليم في الحرم وما حوله فقط، وبما لأنني من مواليد مكةالمكرمة سنحت لي فرصة الالتحاق بالكتاتيب وأنا في سن الرابعة، بتوجيه من والدي الذي نذرني للعلم، ثم التحقت المدارس الرحمانية التحضيرية (ثلاث سنوات) والابتدائية (أربع سنوات)، والمعهد العلمي السعودي بمكةالمكرمة والثانوية، والعالية الصولتية، وأروقة المسجد الحرام حتى عام 1368ه فكانت طفولتي ونشأتي بين بيت والدي في أحد أحياء مكة والمسجد الحرام والمدرسة، وكل مساء أذهب إلى أروقة الحرم الشريف، وأجلس في حلقات الدرس واستمع لعلماء أجلاء أمثال الشيخ محمد بن نافع، والسيد أمين كتبي، والشيخ إبراهيم خطابي، والسيد علوي العشماوي (والد عبدالرحمن العشماوي الشاعر المعرو)، وغيرهم، وقد كنت مرشحًا للسفر إلى مصر للالتحاق بدار العلوم في القاهرة لمواصلة الدراسة، إلا أن خوف والدي عليَّ من الغربة حال دون ذلك. العودة إلى الباحة فواصلت الدراسة في مكةالمكرمة، وكان العديد من بني جلدتي يتوافدون إلى مكة من أجل العمل، كنت أرى افتقارهم للعلم وتطورهم وصعوبة في العيش، فأغلبهم يزاول مهنة الزراعة ورعي الأغنام، وعندما أنهيت دراستي العالية والتي تعادل العالمية في الأزهر الشريف وتسلمت مهمة إدارة المدرسة في بني ظبيان التي تعد من أوائل المدارس، التي خرجت الشهادة الابتدائية في المنطقة عام 1373ه، فأعددت برنامجًا تعليميًا قمت بتنفيذه في المدارس الريحانية -نسبة إلى قرية (الريحان)- الأهلية المجانية التي تأسست عام 1378ه لتكون امتدادًا للمعهد العالي الليلي للقرآن الكريم، الذي تأسس في بني ظبيان عام 1371-1372ه بتمويل من صندوق البر الذي تأسس آنذاك، وقمنا بنقل التعليم من الكتاتيب إلى التعليم النظامي: ابتدائي، ومعهد معلمين ابتدائي، ومدارس ليلية حكومية، وأهلية، وتخذنا من منازلنا فصولًا للدراسة، جمعنا فيها طلبة العلم ممن فاته ركب التعليم في الصغر.