لم تختلف إذن العصور الحديثة «المتحضرة»، أوروبا الحرية والتحرر والثورة ضد السلطة والتسلط، عن الوعي الاستعماري القديم. هناك تحديد عنصري معلن وغير معلن لأوروبا: أوروبا البيضاء المسيحية، «نهاية التاريخ»، ومركز العالم. والبقية، مجرد أطراف ودخلاء، ينبغي الحذر منهم، والرصد لما يصنعون. هذا ما يمنع انضمام تركيا إلى أوروبا، تحت دعاوى ملف حقوق الإنسان، والقصاص، ووضع المرأة، والحريات العامة، والقضية الكردية. والحقيقة أن تركيا بلد مسلم، صاحب ثقافة مغايرة. مما قد يسبب انحراف الهوية الأوروبية المسيحية العنصرية البيضاء. عودة أوروبا إلى وعيها الاستعماري القديم، قد تكون حلا لأزمات أوروبا الداخلية: فقد الروح وخواء النفس، وما سماه بعض الفلاسفة «أفول الغرب» أو «أزمة الوعي» أو «قلب القيم». تتحدث د. ليلى تكلا، عن أوروبا المظلمة القديمة فتقول: «فرضوا على الشعوب كيف يفكرون، وماذا يقولون، وماذا يفعلون، بل وأي ملابس يرتدون، حرم المفكرون من الحق في إبداء الرأي، أو الاختلاف ومجادلة الحجة بالحجة». فتحسب تماما أنها تتحد ث عن مستجدات نهج أوروبا الحديثة، إن لم تكن هذه أنكس وأركس. الوعي الاستعماري القديم ل «المحافظين الجدد»، والباحثين عن الذهب من عابري المحيطات إلى نصف الكرة الغربي، يعطي دفعة جديدة لأوروبا. وقد توقفه حركة تحرر ثقافية عربية إسلامية لرد الهجمة الاستعمارية الجديدة. وللتأصيل المعرفي، لماهية الحرية، وماهية الاستعباد والهيمنة. وما دمنا بهذا التشرذم المعرفي أولا، المجتمعي ثانيا، التشظي الهوياتي، فإنه ليس من المتوقع أن تكون الأجيال الجديدة لأوروبا، مستعدة لأن تبدأ عصورا حديثة أوروبية جديدة، خالية من المعيار المزدوج، الحرية والتحرر لأوروبا، والهيمنة والتسلط على غيرها، وعاملة لأجل إنسانية واحدة، دون مركز ومحيط، وشمال وجنوب، وغرب وشرق. لأن الأضعف دائما لا يطرح خياراته، ولا يسمح له بذلك لو أراد. ولئلا تكون الصورة متمثلة، في عمود إسمنتي «مئذنة»، وقطعة قماش «نقاب»، مختلف على بداية وجودها، وعلائم حدودها، ولكي لا يحسب الباحثون عن ملء أعمدتهم بكل متاع، ولو رخصت قيمته المعرفية، أنهم وجدوا «كشفا»، فإن صورة «الرمز» تأخذ إطارها هنا، لتسوية حسابات مديدة، منذ بدأ الغرب يدرك تماما، أنه حارب «العقل» في عصور الظلام كثيرا، ثم هزم، هاهو يبدأ حربه الجديدة، ضد الروح هذه المرة، لتعويض الإفلاس الروحي، كما العقلي سابقا. [email protected]