أجدنى لا أتفق مع بعض المخلصين من الكتاب والمثقفين الذين شغلوا أنفسهم بالحديث عن تصنيف مجموعة الحوثيين وهل هم فتنة أم متمردون ، لأني أتصور أن المسألة التي تمثل أولوية الآن هي مسألة دعم موقف عملي وليس الانشغال بالتصنيفات التي ربما يكون مجالها مراكز الأبحاث والدراسات بعد حسم الأمر على أرض الواقع وإزالة هذا الخطر ، نحن أمام مجموعة مسلحة إجرامية تتخذ الدين أو المذهب ستارا من أجل خدمة مشروعات سياسية توسعية ، لا تخدم بلادها وإنما تخدم مشروعات وطموحات دول إقليمية كبيرة تمثل خطرا على المنطقة بكاملها ، وأتصور كذلك أن الموقف الأخلاقي والتاريخ للنخبة المثقفة تحديدا، أيا كان منبرها، أن تقف في وجه هذه الظاهرة الخطرة وأن تدعم كل قوة عربية تقوم بتصفية هذه البؤر الصديدية المهدد لأمن واستقرار المنطقة كلها، ومن هذا المنطلق كان نقدي لبعض البيانات التي صدرت في مصر أو غيرها من البلاد العربية التي حاولت الالتفاف حول حقيقة المخاطر التي تتهدد منطقة الخليج العربي من خلال تحريك بعض المجموعات التخريبيبة المهووسة هنا أو هناك ، ولعل الله أراد خيرا بالأمة عندما ارتكبت عصابات الحوثيين جريمتهم بالاعتداء على أراضي المملكة العربية السعودية في تصرف غير مسبوق، لأن هذه الواقعة كشفت عن مدى الحشد والدعم الذي كانت تتلقاه هذه العصابات من قوى إقليمية معروفة، لدرجة أنها تتمكن من خوض أربع معارك كبيرة على مدى سنوات ضد جيش الدولة في اليمن الشقيق، ثم لا تكتفي بذلك بل وتتحرش بحدود دولة بحجم المملكة، هذا يكشف عن مدى الغرور والإحساس بالتخمة العسكرية لدى هذه العصابات، الأمر الآخر الذي تكشف عنه حماقتهم بالتحرش بحدود المملكة، أن هذه العصابات لا تمثل كما زعم بعض المخدوعين تحركا سياسيا معارضا لمشكلات داخلية في اليمن، وإنما هذا مجرد ستار لحقيقة المشروع، وأن مشروع هذه العصابات في جوهره هو امتداد لمشروع دولة إقليمية كبرى معروفة في المنطقة، في لغة السياسة يوصف هذا السلوك بأنه عمالة لتلك الدولة، ولكن الأهم من الوصف السياسي هو إدراك جوهر الدور الذي تلعبه هذه العصابات، وهي أن تكون رأس جسر متقدم لتلك الطموحات الإقليمية الخطيرة المهددة لأمن المملكة والخليج والأمن القومي العربي من ورائه، ولعل التصريحات العديدة التي صدرت في طهران في الفترة الأخيرة تكشف عن الحقيقة بشكل صريح وفج، خاصة بعد أن نجحت المملكة في تسديد ضربات موجعة لتلك العصابات وخلاياها وتضييقها الخناق على أنشطتها برا وبحرا، فتصدر البيانات لتدعو إلى وقف التصدي لتلك العصابات وتظهر الحنو والرعاية التي كانت مستترة طوال السنوات الماضية، هذا الموقف الذي يجري اليوم على الحدود الجنوبية للمملكة هو من المواقف التي تشكل التاريخ وتحدد وترسم صورة المستقبل ومعالمه لسنوات طويلة مقبلة، ونسأل الله أن يوفق المملكة في تلك العملية القتالية التي فرضت عليها، والتي أقول بكل إخلاص: إنها تدافع فيها عن أمن الخليج العربي كله وتمثل حائط صد عن مخاطر تتهدد الأمن القومي العربي لو تساهلنا تجاهها لا سمح الله.