عندما ينظر المراقب لما يدور في اليمن من أحداث، يستخلص أن الأمن القومي العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص أصبح في وضع خطر ومهدد بشكل كبير من قوى إقليمية ودولية، تحاول أن تستفيد من خلخلة الوضع العربي وخلق بيئة مناسبة لتنفيذ أهدافها في المنطقة العربية. منذ مدة ليست بالبسيطة ونحن نرى الوضع الداخلي في اليمن يتأزم سواء بتمرد الحوثيين أو من خلال العمليات التي تقوم بها القاعدة، وضرب مؤسسات الدولة ومفاصلها الاقتصادية كالمنشآت النفطية أو بالاعتداء على السياح الأجانب وضرب الصناعة السياحية في البلد، التي تمثل دخلاً لا بأس به لاقتصادها، تغذيها التدخلات الخارجية أو الوضع الاقتصادي في اليمن الذي تأثر بشكل كبير بعد انخفاض دخل النفط الخام بشكل ملحوظ، والأزمة الاقتصادية التي لا زالت تعصف بالعالم كله. والسؤال المطروح هو: لماذا اليمن بالذات مستهدفة لتكون الانطلاقة لاختراق الأمن العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من النظر إلى عوامل عدة في اليمن سواء جغرافية أو اقتصادية أو اجتماعية أوسياسية، ومن خلال تحليل هذه العوامل نستطيع فهم استهداف اليمن من هذه القوى التي تحاول أن تخترق الأمن العربي وتضعفه. فبنظر إلى العامل الجغرافي، نجد أن اليمن تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية وتحديداً جنوب المملكة العربية السعودية التي تمثل الدولة الأكبر والأقوى في هذه المنطقة، إضافة إلى تحكمه في مدخل باب المندب وإطلاله على خليج عدن الذي تسلكه معظم التجارة الدولية البينية بين دول الخليج ودول آسيا كالهند والصين وإيران وغيرها من الدول الأخرى، المتجهة إلى الأسواق الأوروبية أو القادمة منها. لذلك يمثل موقع اليمن أهمية استراتيجية بالنسبة لطرق التجارة الدولية وللأمن العربي بكافة أشكاله، مما يجعله مغرياً للتدخلات الخارجية التي تستهدف الأمن العربي. أما بالنسبة للعوامل الاقتصادية فمن المعروف أن الاقتصاد اليمني من أضف الاقتصاديات في المنطقة، بسبب ضعف الموارد الطبيعية كالنفط وغيره، وكذلك الحجم السكاني المتزايد وعدم وجود موارد تتواكب مع هذه الزيادة، إضافة إلى اعتماده بشكل كبير على الزراعة التي تمثل المورد الرئيسي مع ما ينتجه من نفط للاقتصاد اليمني، مما يجعل الوضع الاقتصادي في اليمن صعب، خصوصاً مع تفاقم الأزمة المالية العالمية، وانحسار كثير من مشاريع الاستثمار الخارجي فيه، مما يضغط على الجانب الاجتماعي ويخلق نوع من التذمر وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلد، ويكون منفذاً للتدخلات الخارجية في البلد وأمنه القومي الذي سينعكس على الأمن القومي العربي. لقد بدأت تظهر مؤشرات ومقدمات التدخل الخارجي في اليمن وحوله منذ فترة ليست بالبسيطة، فبدأت بأعمال القرصنة في الصومال التي أظهرت مدى أهمية وجود دولة مستقرة في هذا البلد المنكوب منذ بداية التسعينات والذي أصبح ممزقاً تحت رحمة المليشيات المتناحرة، التي خلقت نوع من عدم الاستقرار يغذيه التدخل الإقليمي والدولي المتضارب في المصالح، مما يزيد من عمق الانقسام والتناحر في هذا البلد ويجعله عامل عدم استقرار ومنطلق للتدخلات الخارجية في المنطقة. لكن المؤشر الواضح في إذكاء عدم الاستقرار في اليمن هو التدخل الإيراني من خلال دعم تمرد الحوثيين على الحكومة المركزية، وبث الفرقة بين المجتمع اليمني وعدم الاستقرار السياسي في هذا البلد العربي الشقيق، خدمة للمصالح الإيرانية في اختراق الأمن العربي والضغط على الدول المؤثرة في المنطقة، خصوصاً السعودية التي تمثل خط الدفاع الأقوى عن المصالح العربية، خصوصاً في منطقة الخليج العربي، والضغط عليها من خاصرتها الجنوبية الحيوية. لا يقتصر مفهوم الأمن القومي لأي بلد في العالم على حدود هذا البلد، بل يتعداه إلى خارج حدوده وفي مناطق تكون له مصالح حيوية فيها، كالمصالح السياسية والاقتصادية، وفي كثير من الأحيان مصالح أمنية. ولذلك تجد الكثير من الدول تعزز أمنها القومي من خلال تعزيز أمن جيرانها أو أمن الدول التي لها مصالح استراتيجية فيها، مما يجعلها قلقة جداً في حال أن أمن هذا البلد أو ذاك بدأ يخترق من جهات أخرى. ولذلك ما يدور في اليمن هو مقلق لكل الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية، ويمثل في حال استمر اختراقاً كبيراً لأمنها الوطني وتهديداً صريحاً لمصالحها جميعاً من إيران أو غيرها من الدول. إن مفهوم الأمن القومي العربي هو تكاملي، إذ إن ما يجري في أي بلد من البلاد العربية من اختراق خارجي لأمنها القومي هو اختراق لأمن الدول العربية كلها، ولذلك على الدول العربية أن تكون حذرة من التساهل في الاختراقات الإقليمية والدولية لأمنها القومي، كالحاصل في العراق ولبنان والسودان والصومال، والآن نرى بوادره في اليمن، مما يحتم على الدول العربية التنسيق التكاملي في الأمن القومي العربي، مما ينعكس إيجاباً على الأمن الوطني لكل دولة من الدول العربية. إن المعالجة في احتواء التدخلات الخارجية في اليمن هو التكامل الاقتصادي بين اليمن والدول العربية، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، والتفكير في ضم اليمن إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ إن له تمثيل في بعض مؤسسات مجلس التعاون الخليجي كالصحة والرياضة وغيرها من المؤسسات الأخرى، وكذلك الاستفادة من العمالة اليمنية في الخليج وضخ الاستثمارات الاقتصادية له، وخلق بيئة اقتصادية مستقرة في هذا البلد لتساعده على مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها، إضافة إلى وضع برامج اجتماعية للعمالة اليمنية في دول الخليج العربي بحيث تندمج هذه العمالة بالمجتمع الخليجي وتصبح عامل قوة للمجتمعات الخليجية. إن الاهتمام في اليمن الآن هو أمر حيوي وضروري، لمنع التدخل الخارجي فيه، ومساعدته على احتواء المشاكل التي يواجهها وكذلك مساعدته على معالجتها وإنهائها، محافظة على الأمن العربي من الاختراق. * أكاديمي سعودي