يواجه الباكستانيون أشد الأوقات عسراً في تاريخهم السياسي. فالفيضانات جرفت النظام السياسي الباكستاني. وفقد من لم تصبهم كارثة الفيضانات بباكستان الثقة بالنظام السياسي الذي امتُحن، وأخفق اخفاقاً ذريعاً. وأحوالنا تستدعي ثورة، ومثل هذه النكبات هي تربة الثورات الخصبة. والأمطار والفيضانات ما قُيّد لها أن تكون أكثر دماراً من زلزالي هايتي وكشمير وتسونامي مجتمعةً، لولا فشل الحكومة والأجهزة الرسمية في صوغ خطة طوارئ قبل وقوع الكارثة، وإخفاقها في تنظيم عمليات إغاثة سريعة بعد وقوع الكارثة. ومن قرية إلى أخرى، رأى المواطنون كيف رفعت الأجهزة المدنية الراية البيضاء، وسلمتها الى القوات المسلحة، ولم تبادر الى شيء يذكر. ولم أستطع نسيان رئيس حكومة إقليم السند الذي بلغته تحذيرات من حكومة البنجاب حول الفيضانات، فوقف أمام الكاميرا ضاحكاً مع مستشاريه ليتهم حكومة البنجاب بفتح بوابات السدود المائية والتسبب بفيضانات. فالإقليمان يتنازعان على المياه. وحسِب رئيس حكومة إقليم السند ومستشاروه أنهم يستطيعون التلهي السياسي بالمأساة الإنسانية. ولكن لم تمض أيام قليلة قبل أن تقف إدارته مكتوفة اليدين، وتسلم زمام الأمور كلها الى الجيش الذي سيطر على خزانات المياه في منطقة سكهر، وتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات الحاسمة. وطوال أكثر من أسبوعين، لم يرَ المتضررون من الفيضانات، وعمال الإغاثة المتطوعون، نائباً ينبري لمساعدة المنكوبين بعد المأساة التي حلت بهم في أنحاء البلاد كلها، خصوصاً في المناطق التي تتحدر منها عائلات سياسية مرموقة، وتهيمن عليها. والحق أن أكثر ما سمعه عمال الإغاثة من المتضررين هو أن الساسة مشغولون بمحاصيل إقطاعاتهم الزراعية. والانهيار الاقتصادي متوقع. والحكومة ستوزع مئات ملايين دولارات التبرعات الدولية على جيوب المقربين منها من غير الاكتراث بآلام ومعاناة ملايين من الفلاحين الذين لن تندمل جروحهم في المجتمع الباكستاني لعقود طويلة. ورأينا كيف تصرفت حكومة مشرف بعد زلزال كشمير. وفي وقت تمس الحاجة الى إدارة نظيفة الكفين تبادر سريعاً لمواجهة الكوارث الطبيعية، أمامنا حكومة متخمة بالبيروقراطية ويشغلها الظهور التلفزيوني. والنظام فاسد ينهشه العنف والفوضى. وعلى سبيل المثال، كان في وسع الاقتصاد الباكستاني الاستفادة من الأمطار الموسمية لو أننا بنينا سدوداً مائية. وعوض معالجة الأزمة الإنسانية، بادر القادة السياسيون الى تأجيج الاختلافات اللغوية والعرقية في البلاد، ويتحدثون بطريقة هستيرية كيف أن سداً واحداً يمكن أن يؤثر في هذه المجموعة العرقية أو تلك. والقادة السياسيون قوضوا تمثيل الدولة مختلف شرائح الشعب الباكستاني، ونصبوا أنفسهم ممثلين للطوائف اللغوية والعرقية. ولا يسعنا إلقاء لائمة الإخفاق على الديموقراطية. وليس انتقاد النظام السياسي دعوة الى انقلاب عسكري. واختبرنا بعد الاستقلال الديموقراطية المستوحاة من النظام البريطاني، وجربنا النظام السياسي المستوحى من النظام الأميركي منذ 2007. واليوم آن أوان أن نختبر نظاماً سياسياً باكستانياً. * صحافي ومعلق تلفزيوني، عن «ذ نيوز انترناشنل» 16/8/2010، إعداد جمال إسماعيل