لقد كان الأمر الملكي 191 على درجة من الوضوح والصرامة التي تنتفي معها الحاجة إلى أي تأويلات أو تفسيرات أو اجتهادات، ومع ذلك فقد رأيت أنه من واجبي أن أدون الملاحظات التالية، ليس من باب النصح والإرشاد بقدر ماهو للتذكير والتنبيه فحسب، وذلك تبعا لبعض التجارب والخبرات التي مرت بي في حياتي العملية. تضمن الأمر الكريم التقرير بصرف مبلغ مليون ريال لذوي كل شهيد، وسأحصر بل أقصر تعليقي هنا على هذه الجزئية فحسب لأوجزه في ما يلي: أولا: أشار الأمر الكريم في أحد المواضع صراحة إلى صرف «تعويضات للمتضررين في ممتلكاتهم»، إلا أنه وفي الجزئية الخاصة بالمليون ريال ورد النص على أن يتم صرف هذا المبلغ لذوي كل شهيد، دون أن يتضمن الأمر تحديدا للطبيعة القانونية لهذا المبلغ أهو «دية» يؤديها بيت مال المسلمين (الخزانة العامة) أم هو «تعويض جبري» للتخفيف من غلواء المصاب. فإن كان المبلغ بمثابة الديات فإنه يأخذ حكم التركات، فيتم توزيع المبلغ بين ورثة الشهيد (الغريق) بحسب الأنصبة الشرعية (هناك مسائل قد تثور بشأن تحديد أسبقية الوفاة وليس هذا مجال للإشارة إليها). أما إن كان المبلغ هو نوع من الجبر أو المساهمة أو العطية أو المساعدة فإنه لا يأخذ حكم التركات، وبالتالي يتم توزيعه بين ذوي الشهيد على أساس عدد الرؤوس وبالتساوي في ما بينهم، وليس حسب الأنصبة الشرعية. وأيا كان الأمر فإن تحديد طبيعة هذا المبلغ يعتمد بصورة أساسية على نية الباذل (ولي الأمر) وهو الذي يحدد طبيعته. ثانيا: بعد تحديد «الطبيعة القانونية» لمبلغ المليون ريال بالنظر إلى تباين «الآثار القانونية» التي تترتب على تحديد طبيعة المبلغ ننتقل للتأمل في عدد من الاحتمالات التي لابد من تحديدها واعتماد العمل بها سلفا، حتى يتم صرف المبلغ بناء عليها، فلا يتم توزيع مبلغ المليون ريال على نحو مغاير للغرض منه أو غير عادل، بل ربما غير شرعي أو نظامي وتشتمل هذه الملاحظات دون أن تقتصر على ما يلي: 1- هل هذا المبلغ يصرف شاملا السعوديين وغير السعوديين. 2- في حال التقرير بصرفه لغير السعوديين هل يقتصر صرفه على المقيمين بصورة نظامية أم أنه يمتد ليشمل المخالفين لنظام الإقامة في البلاد. 3- لمن سيعطى المبلغ في حال غرق الزوج ولم يكن له أبناء.. هل سيعطى زوجته (أرملته) أم لأهله؟ 4- لمن سيعطى المبلغ في حال غرق الزوجة ولم يكن لها أبناء.. هل سيعطى المبلغ لزوجها أم لذويها؟ 5- لمن سيعطى المبلغ في حال غرق الزوج والزوجة مع كافة أطفالهما.. لأهل الزوج أم لأهل الزوجة أم يقسم بينهما وهل سيعطى مبلغ المليون عن كل غريق؟ 6- لمن سيعطى المبلغ في حال غرق الزوج والزوجة معا وكان لهما طفل واحد أو أكثر هل سيسلم إلى الطفل (عند بلوغه) أم إلى أهل الزوج أم إلى أهل الزوجة؟ 7- إذا فقد رب الأسرة زوجته وثلاثة من أطفاله هل سيصرف له مبلغ مليون ريال واحد أم أربعة ملايين؟ 8- من لم يتم ظهوره حيا ولم يتم العثور على جثته فهل سيعامل معاملة المفقود شرعا في ظروف غلب عليها الهلاك أم لابد من وجود الجثة؟ ولم يزل هنالك عدد من الاحتمالات التي لا يتسع المقام والمساحة لذكرها، وإنما أردت بما أسلفت الإشارة إليها، لاسيما أن الأمر الكريم قد استخدم مفردة «ذوي» والضمير «كل»، وقد بل سوف يثير كل منهما عددا من التساؤلات والاحتمالات لدى اللجنة عند وضع الأمر موضع التنفيذ. ورغم وضوح مدلول كل منما «لغويا» ولكن التجارب والخبرات هي التي علمتني ذلك. واسأل مجرب ولا تسأل طبيب.