في يومياته كتب أيضا: لست أدري لماذا ذاكرتي تحضر الحكايات التي تغرقني في الحزن، ألا يكفي ما شاهدته من موت في جدة ؟ هز رأسه لعل ذاكرته تكف عن إرسال صور تحول حزنه إلى يأس، لكن الصور كانت تساقط من ذاكرته عليه، فتختلط مع صور السيارات الغارقة والمرمية في طرقات جدة، وجثة رجلين لم ينقذهما أحد، فلفظهما السيل على الرصيف وكأنه يقول لأهل جدة: على الأقل أدفنوا موتاكم إن لم تستطيعوا حمايتهم. بين صور الذاكرة وصور جدة الغارقة في 9 سم من المياه، والجثث المرمية على الأرصفة، صرخ: هل يعقل ألا يعتذر أحد أو لايطالب أحد بمحاسبة أحد، حتى ولو كان هذا الأحد شيطانا نحمله دائما خطايانا ؟ هل مازال أهل جدة يرددون: «مشي حالك» ؟ أليس جملة «مشي حالك» هي من أوصلت جدة لأن تغرق في 9 سم ؟ أغمض عينيه هربا من تلك الجثث الملقاة على الأرصفة، لكن ذاكرته لم ترحمه فأرسلت له صورا أخرى، تذكر غضب سكان جدة على ذاك المجاهر، وكيف هم رفعوا 200 قضية ضده، لأنه أثار غضبهم بوقاحته، لكن لا أحد سيرفع قضية على أمانة جدة، التي لم تمنع بناء البيوت ولا رصف الطرقات في مصبات الأودية، ولا هي أخذت مجرى السيل بعيدا عن تلك الأحياء والطرقات، فمات البشر بسبب 9 سم من مياه الأمطار ؟ تذكر فيضان إحدى مدن بريطانيا قبل أسابيع، والذي جاءت الصور لتؤكد أن البيوت غارقة، وأن منسوب المياه وصل إلى 314 ملم في غضون 24 ساعة، ومع هذا لم يقتل البشر، ومازالت عمليات البحث جارية للعثور على امرأة تبلغ من العمر 21 عاما، يعتقد أن نهرا جرفها لأنها لم تستمع لتحذيرات الأرصاد الجوية التي أخبرت عن حدوث عاصفة. يقولون إن المسؤولين في بريطانيا هناك خططوا لهذا الإعصار الذي لا يأتي إلا كل 500 سنة، وأجلوا المواطنين سريعا، لهذا لم يكن هناك ضحايا، ولا الجهات المختصة قالت للمواطن البريطاني «احمدوا ربكم في غيركم ماتوا»، لأنه لم يكن هناك موتى، سوى فتاة جرفها النهر، ولم تجرفها مياه أمطار ارتفاعها 9 سم، كذلك سيتم تعويض المواطن البريطاني على الأضرار التي حدثت لبيته ولسيارته من شركات التأمين، بينما الشركات لن تعوض أهالي جدة، لأن التأمين على الكوارث مازال مشكوكا في أمره، ويراه البعض اعتراضا على مشيئة الله. ونتساءل: هل ما حدث لأهل جدة عدل ؟ وهل سيتم تعويضهم على خسائرهم المادية وتدفع الأمانة دية الموتى قبل أن تحاسب، أم سيقول لهم الإعلام والكتاب أيضا «احمدوا ربكم أنكم أحياء».. وستتحدث المنابر عن صبر المؤمن، وأن الله عز وجل يختبر إيمان أهل جدة ؟.