قبل نحو ربع قرن، أي في المرحلة التي سبقت تحول مسمى العمل الخيري إلى تطوعي، بدأ الطبيب السعودي طه الخطيب في مداواة حجاج بيت الله الحرام، ومنذ ذلك الوقت لم يشعر الخطيب بلذة الراحة في عيد الأضحى مع أسرته. ولم تكتف زوجة الطبيب آمال الشنطي (طبيب عام) وبناته الثلاث (مرام، منار، وملاك) بتقدير عمل الوالد، إذ سرعان ما نشأن على حب العمل التطوعي وبوابتهن إليه كانت مهنة الطب الأكثر إنسانية بين المهن، ليتقاسمن فرحة العيد مع بعضهم البعض، لكن في مشعر منى جنبا إلى جنب مع الحجاج المرضى، أو الذين يتعرضون لوعكات صحية وهم يؤدون فريضتهم. يقول الخطيب: «سعادتي الكبيرة في مساعدة الحاج الذي حمل عناء السفر من كل بقاع الدنيا لتأدية فريضة «لبيك اللهم لبيك»، مضيفا: إنني في هذه الأوقات أشعر بالراحة أكثر من جلوسي إلى جانب أسرتي. ويتابع الطبيب الوحيد في المشاعر المقدسة الذي دفع جميع أفراد أسرته للعمل في تضميد الجراح في مواسم الحج: «تحقق حلمي ليس فقط في لم شمل أسرتي في مكان واحد في المشاعر المقدسة وإنما بنجاح تجربتي في العمل التطوعي الصحي المساند للجهات الرسمية التي لم يتجاوز عمرها الزمني سبع سنوات». وحول أصعب مهمة في حياته يقول الطبيب الخطيب: إنها كانت في إقناع ابنته الصغرى لخوض تجربة العمل التطوعي، وهو ما أدى أخيرا إلى التحاقها بركب الأسرة ولبس الروب الأبيض. ويؤكد الخطيب أنه لم يمارس في حياته كلها القسوة لإجبار بناته على دراسة الطب، لكنه كان يشجع على ذلك بمساندة زوجته الطبيبة كما عمل على تشجيع العديد من أقربائه وأصدقائه في السماح لبناتهم وشبابهم للانخراط في العمل في مواسم الحج وصقل مواهب من يدرسون الطب. على جدار مكتبه تتصدر لوحة كبيرة توضح فيها المواقع الصحية المسؤول عن متابعتها في المشاعر المقدسة، وكل صباح يراقب مواقعها ليرصد أقرب الطرق التي تصل إليها ويقرأ المناطق التي تقع فيها المرافق الصحية من حيث الكثافة البشرية وكيفية ربطها بوسائل النقل لتسهيل ترحيل الحالات المصابة إلى المستشفيات المتطورة في المشاعر المقدسة ومنى. وساهم مشروعه التنموي التطوعي في صقل مواهب الشابات والشباب المشاركين في البرنامج وانعكس أيضا بتقبل المجتمع لأهمية مشاركة الفتيات والشباب المتطوعين في مناطق الحج ولمدة تصل إلى عشرة أيام بعيدا عن أسرهم. ويثمن الخطيب وعي المجتمع لمهنة الطب سواء مارستها امرأة أم رجل، مؤكدا أن الطب خدمة إنسانية تقدم للجميع وفيها مشاعر تعيد الإنسان إلى فطرته الأولى في حب مساعدة الآخرين. كان وما يزال أبو مرام يسعى من خلال عمله التطوعي لرسم البسمة على شفاه الآخرين، ووزارة الصحة كرمته نظير جهوده ، بتعيينه في منصب المشرف العام على الخدمات الصحية للحج والعمرة، رغم أنه ينظر لمنصبه بأنه تكليف أكثر منه تشريفا، فذلك ما دفعه للتخطيط والتنفيذ المبني على منهجية علمية. وبدأت قصة أسرة الطبيب طه الخطيب بزواجه من الطبيبة منال وامتد إلى البنات الثلاث، وسبقتهن في هذه المهنة عمتهن. مرام أنهت دراستها للطب قبل سبع سنوات، فيما تشترك منار وملاك في دراسة تكفيف آلآم البشر في السنة الخامسة.. وتوضح ل «عكاظ» منار أن والديها تركا لها وشقيقتيها حرية الاختيار، غير أنهن نشأن في منزل يغلب فيه الحديث على صحة الإنسان حتى شعرن أن مهنة الطب تسير في عروق والديهما وأرادا أن يكتشفا هذا النوع من الدم الجديد.