ينظر الطبيب طه الخطيب من إحدى نوافذ مستشفى منى الطوارئ المطلة على المشاعر المقدسة بفرح إلى الحجيج، وهم يبتلون بماء السماء في يوم التروية مبتهلين إلى الله تعالى أن تغسل هذه الحبات من المطر في أطهر بقاع الأرض شقاءهم والناس أجمعين. وأمام النافذة نفسها تلتف حول الطبيب الخطيب الذي يعمل مشرفا على الخدمات الصحية للحج والعمرة أسرته (زوجته وبناته الثلاث مرام، منار، وملاك) وجميعهم أطباء، مشكلين نموذجا رائعا لأسرة سعودية استطاعت بتفانيها وكدها أن تخترق حدود المهنة إلى أوسع أبوابها الإنسانية. عشق الطبيب الخطيب وزوجته لمهنة الطب منذ اليوم الذي أديا فيه القسم الشهير للمهنة العظيمة، انتقل إلى البنات الثلاث، فاشتركوا جميعا في تضميد جراح المرضى الحجاج وآلامهم التي حملوا أنفسهم عناءها ابتغاء لوجه الله الكريم وهم يؤدون خامس أركان الإسلام. وليس غريبا أن ترى طبيبا يؤدي مهامه في الأيام الحرجة، لكن لا تستطيع أن تتجاوز حالة الدهشة وأنت تشاهد أسرة بكاملها اختارت العمل الطبي تطوعا في خدمة ضيوف الله إلى أول بيت أنشئ للناس. فقد اختار الطبيب طه الخطيب وزوجته الطبيبة آمال الشنطي وبناتهما أن يكونوا أكثر من مجرد عاملين في رعاية ضيوف الرحمن، وأرادوا أن يلتقوا جميعا في المهنة ذاتها والتعب ذاته بحثا عن بسمة هنا وشفاء هناك وراحة للناس أجمعين كما أجمعوا بذلك ل «عكاظ». في أضخم مستشفيات مشعر منى يعمل أفراد الأسرة بلا كلل ولا ملل، كل حسب تخصصه، ولا يجمعهم في ذلك المكان سوى المهنة، إذ لا يلتقون إلا في العمل ويفرقهم الطعام والنوم والسكن رغم أن سقف المستشفى يجمعهم كلهم لتحقيق هدف واحد. مرام، منار، وملاك شقيقات ثلاث وجدن أنفسهن في مهنة الطب من أم طبيبة، وأب مسؤول في الحج عمل قرابة ربع قرن في الحج إلى أن شغل منصب المشرف العام على الخدمات الصحية للحج والعمرة، في حين عملت زوجته آمال الشنطي كطبيب عام، فيما مرام الابنة الكبرى عملت متطوعة لمدة سبع سنوات قبل أن تصبح أول طبيبة متطوعة في الحج وهي حاليا معيدة في قسم الجراحة في جامعة الملك عبد العزيز. أما منار وملاك فلحقتا بشقيقتهما الكبرى ليصبحن جميعا على مقاعد الدراسة في علوم الطب. يقول ل «عكاظ» الطبيب طه الخطيب سعيت لإقناع منار للالتحاق بكلية الطب، فيما اختارت مرام وملاك المهنة برغبتهن، مبينا أن جميع أفراد أسرته متفوقات في جميع المراحل الدراسية، ويحظين باحترام العاملين في القطاع الصحي. ومن المفارقات أن كل فرد من أسرة الخطيب الطبية يعمل لمدة 12 ساعة يوميا ضمن فريق منفصل عن الآخر في تنفيذ جوانب خطة وزارة الصحة لموسم الحج. وأمام تلك النافذة المطلة على الحجيج التقت «عكاظ» الأب والأم والبنات الثلاث في لقاء جمعهم فيه الرغبة في مشاهدة المطر الناعم من رحم السماء ليسقي القلوب قبل الأرض، وإزاء ذلك المشهد لم تتردد الطبيبة منار من طبع قبلة على رأس من علمها أن الطب مهنة إنسانية قبل أي اعتبار آخر.