ليس هذا عنوان مقالي، بل هو عنوان كتاب قرأته أخيرا للكاتبة الإعلامية سلوى اللوباني. يجمع الكتاب بين دفتيه نماذج لمفكرين ومبدعين عرب تعرضوا إما للتكفير أو النفي أو التهميش أو حتى الاتهام بالجنون، منذ القرن الماضي وحتى اليوم. الكتاب قيم جدا، وفيه الكثير من الفائدة. وتكمن فائدته في أنه أعطى فرصة جيدة لكل كاتب كي يوثق رده على من أفتى بتكفيره أو قتله. وأدلي بدلوي في الموضوع، رغم أني لست مفكرا ولا مبدعا، لأركز على مسألة التكفير. فما وجدته أن معظم عمليات التكفير تأتي من شخصيات لا علاقة لها بالثقافة ولا الفكر ولا الأدب. بل هي شخصيات هشة لا تملك من الدين الحكيم سوى هيئة شكلية. لايعاب الكاتب إن تم تكفيره، بل يعاب من كفره. إذ كيف لرجل يدعي الدين يفترض فيه السماحة والمحبة، أن يكفر مبدعا أثرى الساحة بفكر جديد؟. الصناعة لا تتقدم إلا عندما تخالف ما هو متعارف عليه، أي عندما تأتي بفكر جديد. التجارة كذلك، وحتى الطب والهندسة وباقي العلوم. هذا يفترض منطقيا أن من يأتي بفكر جيد يستحق أن يقدر لا أن يقبر. لماذا لا يثقف أصحاب الفتوى أنفسهم، ليصلوا إلى المغزى الذي يقصده المبدع فيما يطرحه؟. شخصيا دخلت في حوارات مع بعض المتدينين المتعصبين لأفكارهم. هم لا يعطونك الفرصة لشرح وجهة نظرك. هم في الواقع لا يملكون سوى آراء مسبقة الصنع، أو فتاوى انتهت صلاحيتها بانتهاء زمانها. كان علماء المسلمين يفقهون في الفيزياء كما يفقهون في الدين، ويفتون في الموسيقى كما يفتون في العبادات، والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أمرنا بطلب العلم ولو في الصين. والعلم هو الفكر الجديد الذي يقود البشرية للأفضل. فهل فيما كتب أولئك الذين نلعنهم ما قادنا ولو خطوة إلى الوراء؟ وهل المطلوب من المبدع العربي أن لا يفكر كي يكون مؤمنا؟ نقطة أخيرة تحدث عنها الكتاب بشكل جيد، إنها العلاقة بين الدين والإبداع. وقد أسهبت الكاتبة في استطلاع آراء عدد من المفكرين الذين أجمع معظمهم على أن العلاقة بين الاثنين متنافرة ولا يمكن التوفيق بينهما. هنا تحديدا أنا أخطئ المفكرين أنفسهم. إذ كيف لا يتفق الدين والإبداع؟ هم بذلك يؤيدون من ينتقدهم ويكفرهم. فالدين هو قمة الإبداع. وفيه من الخيال ما يفوق ألف رواية جميلة، من ذلك قصة موسى عليه السلام والسحرة، وقصة البراق. إنها إعجاز صوره لنا القرآن في قصص بديعة خصبة الخيال وسهلة الوصول إلى المتلقي. الدين والإبداع متلازمان. من يقول بغير ذلك يخطئ، سواء أكان رجل دين يرفض كل فكر، أو رجل فكر يخاف رجل الدين. [email protected]