يقال إن أحد الحجاج كان قد حج قبل أربعين عاما، وهو شاب في الثلاثين من عمره، ثم كتبت له فرصة الحج خلال السنوات القليلة الماضية بعد إنشاء جسر الجمرات وما حصل من تطور في مشعر منى من حيث إزالة ما فيه من شوارع ومبانٍ وأحواش وإنشاء خيام مضادة للحريق حلت محل المباني والأحواش المزالة ومحل الخيام القديمة القابلة للاحتراق السريع، ولما سأله قومه عن الفارق بين ما رآه في حجته الأولى «حجة الفريضة» وبين حجته الأخيرة «النافلة» قال لهم ببراءة «لقد كان الشيطان يومها صغيرا فأصبح الآن كبيرا، وكان قصيرا فأصبح طويلا، وكان نحيفا فأمسى سمينا جدا»، فضحك قومه من بساطته وسذاجته وطرافة وصفه للجمرات الثلاث التي ظهرت له في شبابه صغيرة تحيط بها دائرة قطرها لا يزيد على مترين أو ثلاثة أمتار، فإذا به يراها اليوم بناء عظيما متعدد الأدوار، تقف في وسطه الجمرات الثلاث التي يسميها عوام الحجاج «الشياطين الثلاثة». وحسب تفكير هذا الحاج ومن يفكر بالطريقة نفسها، فإن الشيطان أو الشياطين في نظرهم قد كبروا وطالت أعناقهم وسمنت أطرافهم، وقد رأيت بأم عيني خلال أدائي لمناسك الحج عندما كانت أعداد الحجاج خفيفة والأجواء مناسبة والصحة جيدة، مئات الحجاج وهم يضربون جمرة العقبة بأحذيتهم -الفردة تلو الأخرى- وهم يلعنون إبليس الذي يظن بعضهم بل ويعتقدون أنه داخل الجسم الحجري الدائري بالنسبة للجمرة الصغرى والوسطى ونصف الدائري بالنسبة للجمرة الكبرى، وسمعت ذات عام حاجا كهلا يقول لجمرة العقبة وهو يقذفها بحذائه الجيد الصنع: تستاهل يا ابن الكلب.. خليت زليخة تطلقني!! ثم غادر الموقع حافي القدمين مرتاحا؛ لأنه انتقم من الذي تسبب في طلاقه من زليخة! وشاهدت أيضا من يضربون الجمرات بحجارة تفوق في حجمها حجم الحجارة التي ترمى بها الجمرات الثلاث؛ وهي عادة في حجم الفستقة، ولكن الثائرين على إبليس المقتصين منه لا يرضيهم حجر بحجم الفستقة فيجعلونه بحجم الليمونة، فإذا أخطأ حجره الشاخص شج رأس حاج آخر في الجهة المقابلة. وعودة إلى ما قاله الحاج حول نمو حجم الشيطان في منى، وبغض النظرات عن تصوراته الساذجة، فإن واقع العصر يؤكد أن الشيطان «الأصلي» قد نما وتوسعت نشاطاته وغواياته وكثر اتباعه حتى أصبح الناجون منه أقل من القليل!!