لبيك اللهم لبيك .. ما أروع وأجمل هذا النداء .. إنها عبارة تنطلق تجاوز السماء مرتفعة محلقة من كل مكان تركب الأثير في رحلة أثيرية نحو الله. الحج في وجوه المسلمين: الله أكبر وأنت ترى تلك المواكب الكريمة السامية سمو الهدف الذي تقصده من وراء كل رحلة العناء والمعاناة .. ترى هؤلاء الأخوة من المسلمين الذين افترشوا أديم الأرض أرض الله في كل مكان يكاد يغطي ذلك معظم خريطة الدنيا. الله أكبر: كم هو مؤثر وأنت ترى الرغبة الإيمانية والحلم الجميل الذي عانق ذات العامل فى أحد المصانع فى ألمانيا أو في فرنسا أو في بريطانيا أو في بلجيكا أو إلى ما شاء الله وهو يعمل في دأب ونشاط وحيوية وإصرار وتخطيط منذ فترة طويلة. الركن الخامس للإسلام: إنه مشروع اشتغل عليه فترة من الزمن كما يشتغل طالب الجامعة على مشروع علمي، لقد أخذ يقتطع من دخله ومن دخل عياله في سبيل أن يتوافر له جمع مبلغ كريم حلال من حلال وأن يوفر عيشا كريما لأسرته قد يظل هذا التوق يلازمه سنوات طويلة ولكنه يقترب منه يوما بعد يوم. الله أكبر: وفي المقام المقابل نجد أننا في السعودية مغمورون بالعطاء الرباني بالكرم المقدس نحن قاب قوسين أو أدنى .. إنها من نعم الله التي لن نحصيها. الله أكبر: وأنت ترى هؤلاء الإخوة الأعاجم وهم يتوافدون على القنصليات السعودية في بون وفي لندن وفي باريس وأنقرة وفي إسطنبول، ورائع ذلك الإقبال وأروع منه ذلك الأسلوب المهذب وتلك البسمة التى يطبعها موظف القنصلية .. كيف لا وهو يمثل كل دائرة الشرف وكل ذلك السمو .. يرى مكانة بلده الروحية ترتفع به وببلده إلى سموات من الرقي السامي .. الكل يعالج الشوق ويقاوم اللحظة يكاد يتركها إلى أخرى تسلمه إلى أخرى تسلمه إلى ذلك اليوم الكريم الذي تحلق به الطائرة فى أجواء البلاد المقدسة. الله أكبر: صور متعددة يعجز اليراع عن رصد حركتها فضلا عن تجسيد معانيها، إنه الانعتاق من الماضي .. ماضي الآثام وماضي الأخطاء، ألم يقل سيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم): «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» .. إن ميلاد هذه اللحظة يلد في مهد القدرة الإنسانية حلما وتوقا وإشراقا نفسيا وها هو الحلم ليس بينه وبينه شيء. فقد جمع ما تيسر له من مال يغطي نفقة السفر ويكفل حق العيال وقد سدد المظالم إلى أهلها .. إنهم ينطلقون من إيمان صادق وعميق يغور فى الداخل يبحث عن الطهارة وعن الصدق .. ويتأسس فى دواخلهم ويكرس التوجه إلى الله .. إنهم عقدوا العزم على أن يتأسوا برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يرتدون الزي الأبيض يلبون ويطوفون بالبيت العتيق يبيتون في منى يقفون بعرفة .. هذا اليوم الخالد العظيم .. الملحمة الزمنية والمكانية وبروعة كل ذلك وتزداد تألقا بمجريات الأحداث، إنها ملحمة الصدق والتجرد والخروج من ذلك الدرن الذي نتسخ به فى سائر أيام السنة. وأي روعة أعلى وأسمى من ذلك الموقف المهيب .. الكل يخطو ويبحث على خد الأرض عن خطوة بارزة ذات معالم لسيد الخلق محمد بن عبد الله وصحبه الكرام، ففي كل بقعة كانت له خطوة وكان له أثر.