هل يمكن أن يجتمع الطموح مع التسول؟ وهل يمكن أن تتحقق الرغبات بالاستجداء؟ وإذا كانت المطالب لا تنال بالتمني كما يقول أحمد شوقي، فهل يمكن أن تنال بالاستجداء؟ في الحقيقة شوقي وإن نفى نيل المطالب بالتمني، إلا أنه لم ينف نيلها بالاستجداء، بل إنه كان واحدا من المستجدين عند أبواب الخديوي. إن طموحا يعتمد في تحققه على الآخرين إن شاءوا جادوا، وإن شاءوا بخلوا، هو طموح يتعس أهله ولا يسعدهم، هو ليس يحرمهم من لذة بذل الجهد والعمل والاستعداد والترقب والفرح بالإنجاز فحسب، وإنما أيضا يجعل سعادتهم رهنا في يد الآخرين إن أعطوهم سعدوا وإن حرموهم تعسوا. وربما لهذا السبب كان أرسطو يعد أفضل سبل السعادة وأرقاها سبيل المتع الروحية، التي يبلغها المرء عن طريق التأمل ولا يحتاج لبلوغها إلى عون من أحد، فهي ليست كالمتع الأخرى التي يعتمد تحققها على الآخرين، كالحصول على المال أو المجد أو الشهرة أو المنصب أو الإطراء وغيرها من الرغبات التي يتوقف الحصول عليها على استجابة ودرجة تفاعلهم ورضاهم. لا شيء أكثر امتهانا للنفس وإذلالا لها من نيل الرغبات عن طريق الاستجداء، فالاستجداء مهين سواء كان مباشرا أو ضمنيا، هو في كل أشكاله لا يختلف عن استجداء المال، حيث يجعل حاجة الإنسان معلقة بيد غيره، إن شاء من وإن شاء منع. وإذا كان استجداء المال يكفي فيه مخاطبة عاطفة الرحمة وإثارة الطمع في نيل الثواب من الله الكريم، فإن استجداء غير المال لا يجدي فيه ذلك والمستجدون يعرفون تماما أن ارتقاء المناصب العالية، أو نيل ثناء الناس، أو تمجيدهم، أو كسب صمتهم عن ما يقعون فيه من أخطاء، لا يتحقق بمجرد إثارة عاطفة الشفقة أو تحريك الطمع في نيل الأجر من الله، ولا بد فيه من طرق أبواب أخرى مختلفة، لذلك يستميت المستجدون في تنويع أساليبهم التي يتخذونها أداة لبلوغ طموحاتهم، فهناك من يسود الصفحات في تعداد إنجازاته وخبراته واستعراض ماضيه المجيد، وهناك من تبح حنجرته وهو يتغنى بصلاحه وما بلغ من درحة تقواه ومراقبته لربه حتى لتظنه يتحدث عن ملك منزل لا عن نفس بشرية أمارة بالسوء، وهناك من ينظم القصيدة تلو الأخرى، ومن يصوغ المقال إثر المقال ومن ينشر الكتاب إثر الكتاب، يقدم ذلك كله قرابين ثناء وتعاويذ سحر تعبد له الطريق نحو غاياته وأهدافه، وفي النهاية قد يحصل المستجدي على ما يريد وقد لا يحصل. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة