قلت يوما: « إن كانت القيادة هي استعداد المرء لأن يحمل على كاهله السلبيات التي تنذر المعطيات بمقدمها؛ بغية تحقيق إيجابيات أكثر زخما، تبقى الحكمة هي الإقدام تحت إشراف العقل للدفاع عن المقدرات أو عن أي مكتسب شخصي أو جمعي.» وإن كان أصل الإجماع على شخصية المنُجِز والمنُجَز، تأتي من أن الفئات المتآلفة تعمد إلى استفتائية التاريخ، وتبذر مشروعه توثيقا، تنشأ هذه الحقيقة عن فهم لغة الآخر، ودلالات الأشياء لديه، وقدرته على فهم مبناه ومعناه التأثيري وإرثه السياسي. تستخدم «فوربس» في توصيفية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تعبيرا بليغا ينحت قيمية الإرث التأثيري المستشعر عالميا، فتقول: «باستجماع عوامل تصنيف مراتب الشخصيات الأكثر نفوذا في العالم، اصطرعنا مع أسئلة شائكة قبل اتخاذ قرار تحديد مظهر التأثير، من ضمنها؛ هل الشخصية ذات نفوذ على مجاميع كبيرة من البشر؟، هل الشخصية تتمتع بأكثر من منحى نفوذي؟.. وقد كان هؤلاء الأجدر». إرث القائد هو الذي يدوم حين تنتهي الأنظمة والدول، والذي ينقل من جيل إلى جيل، ومن صدر حضارة إلى نواصع التاريخ، ولإمتداد عميق في الذاكرة البشرية، ولفهم تأثيرها وقوتها امتداد عميق في الوعي الجمعي. تمنحنا المواقف العربية التراكمية الحصيلة للملك عبد الله، قدرة على النفاذ إلى رؤى المجلة، وتدفع عنا مخاوف المجهول، وتمكننا من التفاعل بذكاء وإبداع حين نواجه بمواقف وأحداث مربكة ومقلقلة ضمن محيطنا العربي والإسلامي، ونكتشف بها الإيمان والمنهج المنظم الذي يسير عليه عالم الأحداث الغريبة المحيرة دون أن تسحقنا، إذ إننا ندرك غرابة الواقع على ضوء غرابة المحير في مشهدنا من حولنا. التسلسل الذي رصدته «فوربس» في تقريريتها للفكرة الأساس، التي تدور حول من أين ينشأ التأثير على نبراسية التلاقي بين «نحن» و«هم»، وما ينشأ عن ذلك من صراعات متباينة تنشب من جدلية «أنا» و«أنت» عقديا، ينبني أصلا على المستشرف الحصيف لإشكالية التوفيق بين الأديان والحضارات، الذي يسترشد ارتباطا بالمعتقد والنظرة للكون والحياة، وهو ما يجعلنا أمام توثيقية ما قاله الملك عبد الله في منبرية حوار الأديان متجردا من «نحن» ليدمجها في «هم». أجابت «فوربس» ثانية عن السؤال ليعترف الملأ أن هناك قامتين؛ إحداهما تاريخية صانعة للأحداث، وأخرى تفسيرية تصالحية للإنحياز للحق بمعايير عدلية، وكلتاهما صادقتان بشفافية، وإذا حاولنا أن نفرق بينهما فإننا نقع في الإشكال، وننتهي بأن نجحف ويجانبنا الصواب. الجوهري برأي أهل الإنصاف، ليس أن نتفق على الجلوس على مائدة تداول واحدة، بل أن نحترم تقاليد المائدة لدى الآخر، وأن نفهم أن تلك التقاليد لم تنشأ لتسيء لنا، أو تستثنينا. ورغم أن هذا قد يحدث، إلا أنه يحدث بسبب المنحى الحضاري الأعرج الذي يشيعه الآخر المناهض، فهو يستأثر بتخصيص جاهز ومعلب يأتي بالحقيقة ميتة لا قيمة لها، فتقع على أذن العالم، وقد فقدت ظلها الحضاري، فلا تعود تمثل المعاني التي تعكسها مآثر قامة كخادم الحرمين الشريفين، في وعيها، حصافتها، وضوحها، بساطتها وتأثيريتها. آن لنا، بوصفنا شركاء هذا الكوكب، وكعاربة ومستعربة، ألا نتجاوز أنسنة التاريخ العربي وفك طلاسم التشظي المعنوي والحسي، فمنح الوقائع وعلاقاتها السببية منظورا جوهريا في صناعة التاريخ، بحيث غدا تاريخا للبشر الواقعيين، لا تاريخا خطابيا، يمنح الأولوية للمشيئة البينية، كما عنى أنسنة التاريخ العربي باعتبار كل حدث تاريخي حدثا بفعل الإنسان العربي، وكل حدث عربي توفيقي حدثا تاريخيا. ولنكاد نسمع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ينطق دون أن يفصح: إنّ ثمة تاريخا واحدا للمشهد العربي، رغم تنوع مظاهره واختلاف تجلياته، إنه تاريخ قائم على قانون رئيس ناشئ عن فعل الإنسان العربي ذاته، لا منفصلا عن كوكبه ولا نرجسيا بمكتسبه. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 242 مسافة ثم الرسالة