ثور.. إنه الجبل الشهير في مكةالمكرمة، مقصد الحجيج قبل البدء الفعلي للمناسك. تجدهم كبارا وصغارا يحثون الخطى نحو الغار، يتعبدون لساعات ويستحضرون التاريخ. يقع الجبل جنوب شرق المسجد الحرام بمسافة تبعد أربعة كيلو مترات مرتفعا 748 مترا عن سطح البحر، مطلا على الطريق الدائري ومخطط حي الهجرة ومستشفى النور التخصصي. صعود الجبل محفوف بالمخاطر لكنه لم يثن الزائرين عن ذلك، إذ يشهد هذه الأيام ذروة الزحام من قبل الحجاج القادمين من خارج المملكة.. المئات من الحجاج وجدناهم يصرون على الصعود رغم خطورة الطريق وطول المسافة والتقطنا التفاصيل التالية: الراغبون في الذهاب نحو الجبل عليهم الاتفاق مع سائقي الحافلات الصغيرة الذين يتمتعون بقدرة هائلة على وصف الجبل وأيسر الطرق المؤدية إليه، يحملون الحجاج الزائرين للموقع التاريخي في شهر الصوم وخلال هذه الأيام التي تسبق موسم الحج مستفيدين من حالة التعلق الديني بالجبل وغار ثور. الصعود إلى الجبل يبدأ بطريق متدرجة من حيث السهولة إلى أن يصل أخيرا إلى مناطق غاية في الوعورة، فيما تكمن الصعوبة أكثر حين تبلغ الشمس كبد السماء، لكن في هذه الأيام تعتبر الفترة المناسبة للصعود إلى الجبل لاعتدال الطقس حيث يحرص حجاج الدول التي يتميز طقسها بالبرودة على استثمار ذلك في قضاء ساعات من النهار في منعطفات الجبل وتحت صخوره السوداء. أصبحت لجبل ثور منافعه الخاصة المتشكلة عبر الزمن، دفعتها الحاجة لخدمة الحجيج أو الاستفادة من الكم البشري الهائل المتدفق أثناء المواسم، حيث نصبت استراحة صغيرة بنيت من الخشب والزنك تحيط بها أماكن جلوس مطلة على المنطقة المركزية للحرم المكي وأحياء مكة، تباع فيها المشروبات الساخنة والباردة. الغاية من صعود الجبل من قبل الحجيج ربما احتضنتها شجرة في الجبل، إذ تحول جذعها إلى جدارية من الأمنيات المكتوبة والتمائم المعلقة. وتتنوع اللغات المكتوبة بها الأمنيات، لكنها تكشف بجلاء عن حجم الوقوع في باب التعلق والتبرك بالأماكن. وهنا يؤكد مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكةالمكرمة أحمد قاسم الغامدي أن صعود جبل ثور نوع من أنواع التعرض للتهلكة، وأن فريضة الحج لا تقتضي زيارة هذه المواقع. وأوضح الغامدي أن الهيئة تحوطت جيدا لإزالة المخالفات الشرعية في غار ثور «لدينا مركزا أسفل الجبل فيه أكثر من 18 عضوا وداعية وخمسة مترجمين، من بين خمسة مراكز أخرى منتشرة في المواقع التاريخية التي يقصدها الحجاج، وذلك لتبصير الحجاج وتوجيههم دون الوقوع في دائرة الشرك، ومحاولة إفهامهم بخطأ التمسح والتبرك بحجارة الجبل». وعدد مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة الأخطاء التي يقع فيها القاصدون للجبل «تحدث مخالفات كثيرة منها الطواف، واستدبار القبلة عند الصلاة، وحمل التراب والحجارة، وربط العقد والخرق، وأكل شيء من تراب الموقع لطلب تفريج كربة أو طلب رزق أو نحو ذلك». وكشف الغامدي عن أن الهيئة تدرس إمكانية إعداد فلم توعوي يرصد صورا حية لتلك المخالفات بهدف التوعية. الرغبة الجامحة التي تدفع الكثير ممن بلغوا من العمر عتيا لاعتلاء ثور وحراء خلفت أربعة حوادث شهدتها العاصمة المقدسة خلال شهرين فقط، تسببت في وفاة شخصين فيما أصيب أربعة آخرون بإصابات بالغة. لكن الإحصائيات غير الرسمية تشير إلى وفاة أكثر من عشرة في السنوات الثلاث الماضية بأسباب الصعود اليومي لجبال مكة التاريخية، ومنها جبل ثور لغرض الزيارة. مدير الدفاع المدني في العاصمة المقدسةالعقيد جميل أربعين الذي أشرف على أكثر من حالة وفاة واحتجاز وسقوط في جبل ثور، أكد أن الحاجة تبدو ملحة لرفع مستوى التوعية بين أوساط الحجيج خاصة الذين عرفوا بكثرة الصعود إلى الجبل، وعلى مؤسسات الطوافة وحملات وبعثات الحج أن تعالج هذه الظاهرة المزمنة بأساليب إعلامية مصورة وميسرة تحقق الهدف.