في ظل استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية وتصاعد ممارساتها القمعية المختلفة بحق الشعب الفلسطيني، مدعومة في ذلك بحماية ودعم القوى الكبرى الفاعلة في العالم، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وغض النظر عن سياساتها ومواقفها المناهضة لعملية السلام، حتى مع وجود الإدارة الأمريكيةالجديدة لأوباما وأطروحاتها ولغتها وتوجهاتها المغايرة لإدارة بوش اليمينية المتطرفة، و التي لم نلمس حتى الآن أي ترجمة حقيقية لها على أرض الواقع. ومع حال التجاهل والصمت والعجز العربي، وتزايد النزاعات الفلسطينية الداخلية المحتدمة حول مواقف وشعارات وعناوين (مفاوضات السلام أو المقاومة) فقدت معناها ومضمونها الفعلي على أرض الواقع أيضا. حيث باتت تتصدر صراعات ومناكفات فئوية ذات صبغة أيدلوجية وسياسية ضيقة على حساب قضية التحرير الوطني للأرض والإنسان الفلسطيني، وبات واضحا بأن تلك الصراعات وخصوصا بين حركتي فتح وحماس تسودها مطامح ذاتية لتقاسم النفوذ والمغانم في سلطة وحكومة فلسطينية عاجزة ومحاصرة ومطوقة بالاحتلال الغاشم منذ 42 عاما على ما تبقى من أرض فلسطين. في ظل هذه الأجواء أحيت إسرائيل يوم الاثنين الماضي الذكرى الثانية والتسعين لوعد بلفور الذي أعلنت فيه بريطانيا على لسان وزير خارجيتها آنذاك آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد جورج وفقا لرسالة مؤرخة في الثاني من نوفمبر عام 1917م إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية. وأحد أقطاب عالم المال في أوربا والعالم الرأسمالي كافة. والذي يقول فيها «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى». الجميع بات يعرف ماهي النتائج الفعلية التي ترتبت على هذا القرار الاستعماري «الكولينالي» الوقح وألا إنساني الذي استهدف حل معضلة اضطهاد اليهود تاريخيا في أوربا ثم محرقة الهولوكست على يد النازية الألمانية على حساب شعب آخر بناء على مقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» . بهذا الوعد تحققت العبارة الشهيرة المعروفة «لقد أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق» وهكذا حمل الشعب الفلسطيني جريرة الممارسات والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت بحق اليهود في أوربا ليجري اقتلاعهم وطردهم وتهجيرهم عن أراضيهم وبيوتهم ومزارعهم عن طريق التهجير والقتل والمذابح الجماعية وتحويلهم إلى شعب مشرد في داخل ديارهم وفي الشتات. غير ان أفول نجم الإمبرياليتين البريطانية والفرنسية، والفراغ الناجم عنهما، فتح المجال واسعا أمام صعود وهيمنة الإمبريالية الأمريكية التي مارست سيطرتها في البداية خارج إطار الهيمنة الاستعمارية (الكولينيالية) المباشرة مع ان هناك شواهد كثيرة لتلك الهيمنة الاستعمارية كما حصل في الفلبين وكوبا وبورتوريكا وغيرها.غير ان الهيمنة الإمبريالية الأمريكية المباشرة وغير المباشرة كانت قوية وفاضحة في مختلف القارات والبلدان. في الواقع فإن ما نشهده في أفغانستان والعراق هو نموذج لعودة الاستعمار «الكولينيالي» القديم تحت شعارات وعناوين جديدة. في جميع الحالات كانت المواقف الأمريكية تصب في أولوية مصالحها الاستراتيجية الخاصة بغض النظر عن تعارض ذلك مع مصالح وأماني وتطلعات الشعوب، وحتى لو تطلب ذلك دعم الأنظمة القمعية والديكتاتورية والاستبدادية في العالم. الإدارة الأمريكية الحالية التي رفعت شعار التغيير في السياسات الداخلية والخارجية لم نشهد منها أي موقف جديد وجدي على أرض الواقع حتى الآن، حيث تبخر عمليا تصريح الرئيس أوباما الإيجابي حول خيار الدولتين وضرورة وقف وتجميد المستوطنات كشرط لاستئناف مفاوضات السلام، وهو ما جرى التراجع عنه، هوما على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أثناء جولتها الأخيرة في الشرق الأوسط، حيث وصفت خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، موقف إسرائيل بشأن المستوطنات بأنه «غير مسبوق». كما أثنت كلينتون على إسرائيل «لتقيدها» بسياستها الاستيطانية، وفيما يعد انتكاسة وتراجعا عن موقف أوباما المعلن حول أولوية تجميد الاستيطان قبل الشروع في استئناف مفاوضات السلام أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية «الأمر المهم الآن.. العودة إلى المفاوضات»، مشيرة إلى أنها أبلغت الرسالة نفسها إلى رئيس السلطة الفلسطينية. هذا الموقف جعل السلطة الفلسطينية في موقف صعب وحرج أمام الشعب الفلسطيني والعرب والعالم، مما دفع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات للرد بقوله «ما يقدمه الإسرائيليون ليس شيئاً غير مسبوق.. ما من شأنه أن يكون غير مسبوق هو تجميد شامل للاستيطان الذي تقوم به إسرائيل.. ووقف السياسات الإسرائيلية في القدسالشرقيةالمحتلة، مثل هدم المنازل وعمليات إخلاء المساكن من سكانها الفلسطينيين والتوسع الاستيطاني السريع». وضمن هذا السياق تساءل عريقات عاكسا خيبة أمل السلطة الفلسطينية «إذا كانت أمريكا لا تستطيع دفع إسرائيل لتجميد الاستيطان، فما الفرصة التي تبقى للفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل حول قضايا الوضع الدائم». ومضيفا «إن موقف إسرائيل بشأن المستوطنات لم يكن أكثر من مجرد فشل إسرائيلي في تنفيذ تجميد شامل للاستيطان كما هو مطلوب منها بموجب خارطة الطريق لعام 2003، فمنذ ذلك العام ازداد عدد المستوطنين في الضفة الغربية بحدود 73 ألف مستوطن، أو بنسبة 17 في المائة». وضمن هذا السياق أعلن رئيس السلطة الفلسطينية رفضه لاستئناف مفاوضات السلام في ظل رفض إسرائيل تجميد المستوطنات. في محاولة لتطويق تلك التداعيات السلبية وتصاعد الانتقادات الفلسطينية والعربية أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية بأن الولاياتالمتحدة ما تزال تعتبر مواصلة بناء المستوطنات على أنه أمر «غير شرعي». لكنها أصرت على موقفها بأن إسرائيل قد قطعت خطوات غير مسبوقة في ما يتعلق بتوسيع المستوطنات. بطبيعة الحال فإن الموقفين الإسرائيلي والأمريكي من قضايا الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني والحلول السلمية المقترحة، لا يمكن فصلهما عن حال الانقسام والصراع الفلسطيني الداخلي وغياب الموقف العربي الموحد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة