لا أشك أن في ثنايا حواري مع الدكتور المهندس نبيل محمد علي عباس رئيس المركز العربي للتحكيم لملمة لأوراق متناثرة وفكا لطلاسم ورموز علاقة شائكة بين أجهزة حكومية وقطاع خاص ذهبت ضحيتها صناعة التشييد في المملكة التي أضحت في خبر كان .. الرجل الذي يعتبر الاستشاري السعودي الوحيد في الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين ظل في كل إجابة يضغط بخبرة الثلاثين عاما على الجرح النازف لبعض عقود التشغيل التي تضع مقاول الداخل والخارج في قبضة المالك مما دفع رأس المال الأجنبي للهرب بجلده من مصير مجهول لعدم وجود عقد ضامن للحقوق والواجبات .. الدكتور نبيل شرح في روشتة العلاج طرق استعمال الدواء للمرض المزمن مطالبا بقرار شجاع تنفض فيه القطاعات العامة والخاصة غبار نظامها القديم وخوفها من التغيير.. حوار مزعج للخائفين من عقد فيديك، وفاتحة أمل لمداواة جراح الأطراف المتضررة مما يمكن ان يطلق عليها (عقود التطفيف). • بداية .. هل كان لتبنيكم الدفاع عن عقد فيديك الذي تتخوف منه كل القطاعات دور في فشلكم في انتخابات الهيئة الهندسية؟ لاعلاقة بما حدث في الانتخابات بموضوع عقد فيديك الذي أقر التعامل به مجلس الوزراء قبل سنة ونصف تقريبا، والمسألة ببساطة أنني لم أبذل الجهد الكافي في التعريف بنفسي لكونها المرة الأولى التي أخوض فيها تجربة انتخابية، وقد اكتشفت أن للانتخابات ترتيبات مختلفة تؤكد خطأ الاعتماد على ثقل المعرفة والخبرات فقط، ووجدت أنها لعبة تحتاج إلى تربيط مع الآخرين وهذا مالم أفعله، وهناك من فاز وهو غير معروف في الوسط الهندسي. • البعض يقول إن الهيئة تحولت إلى تجمع مصلحي للفائزين بعد لعبة (شيلني وأشيلك)؟ لا أحد يدخل هذه الهيئة إلا وله هدف سواء كان سلبا أو إيجابا، وقد يكون لدى البعض أشياء سلبية وهذا وارد لكنني أتصور أن جميع الذين دخلوا الهيئة لديهم أهداف ايجابية. • الملاحظ أن هناك تهميشا لفئة المهندسين كما حدث في انتخابات غرفة جدة ونفس الموقف يحدث في انتخابات الشرقية وتبوك وأبها.. لماذا؟ كل الغرف التجارية في المملكة تعتبر المهندسين ضيوفا عندها وليسوا أصلاء مثل التجار والصناع، فالضيف ليس له حق إدارة المكان والمشاركة بفاعلية، والحال ينطبق على كل من له مهنة أوتصريح ترخيص بمهنة مثل المهندسين والقانونيين والمحاسبين وغيرهم، وهذه مشكلة نظام الغرف الذي يسمح بالمشاركة في النشاطات فقط بشكل فاعل لكنه في نفس الوقت يظل بيتا للتجار والصناع فقط ولا يرحب بمن لهم جهة تمثلهم. • قد يكون معهم حق في موقفهم بدليل أنك رأست اللجنة الهندسية بالغرفة أربع سنوات متتالية ولم تقدموا شيئا يذكر؟ هذا صحيح، وهناك عدة أسباب وراء ذلك بدءا من ضعف حماس الأعضاء المهندسين إضافة إلى حجم الصلاحيات المعطى لنا ففي أحيان تكون هناك صلاحيات كبيرة وتضيق في أحيان أخرى. صلاحية مخاطبة الجهات لاتتم إلا عن طريقهم وفوق هذا كله فاللجنة لاتمثل إلا أصحاب المكاتب الاستشارية في جدة وليس عموم المهندسين وظل الهم الكبير في التعامل مع الأمانة، وخلال تواجدي في هذه اللجنة على مدى أكثر من عشرين سنة لم يحدث تجاوب حقيقي من الأمانة إلا في فترة المهندس عادل فقيه فقط، فيما كانت الأمور مهملة جدا في السنوات السابقة، وبدأت الأمانة الآن تطبق الأفكار التي طالبنا بها على مدى العشرين سنة الماضية. • الحال كذلك حدث مع لجنة الوقاية من الإفلاس التي رأستموها ولم تفعل شيئا ؟ الشيء الأساسي أنه لم يتم التعريف بدور اللجنة في القطاع التجاري بشكل عام، ورغم وجود مؤسسات مفلسة تصل إلى العشر ممن تقدموا لنا، إلا أنهم لم يستوفوا شروط الوزارة لمساعدتهم في الوقاية من الإفلاس، وكمثال فلا توجد لديهم كلهم دفاتر محاسبية وعملهم ارتجالي ومخالف للنظام وبعضهم إما ساذج جدا أو متحايل فتوقفت جهود اللجنة عند هذا الحد. • الملاحظ في كثير من مشاريع مدينة جدة غياب الاستشاري السعودي وحضور الشركات الأجنبية فمشاريع جامعة الملك عبد العزيز والكباري وغيرها في يد شركة (فلاور) الأمريكية. لماذا؟ وأزيدك من الشعر بيتا أن شركة فلاور عندما رحلت استلمت مكانها شركة سعودية بريطانية، ويبدو أن هناك فعلا عدم ثقة في مستوى المكاتب المحلية بسبب الفارق في مستوى الخدمات المقدمة والذي لاتملكه سوى ثلاثة إلى أربعة مكاتب سعودية فقط وربما دعوها ولم تكن أسعارها مناسبة معهم وأعتقد أن في هذا الأسلوب تحفيزا للمكاتب السعودية لتحسين خدماتها. • المشكلة تسببت فيها مكاتب الباطن ؟ هذه مشكلة مزمنة ظللنا نطالب بها الأمانة منذ فترة فالمكاتب الوهمية المسيئة للمهنة منتشرة بشكل لايعد ولا يحصى، لدرجة أن الأمانة عندما طبقت عليهم أدنى شروط الترخيص والتي تشترط وجود مكتب وسكرتير وجهاز فاكس خرج من السوق أكثر من أربعمائة وخمسين مكتبا واتضح أن بعضهم فتح المكتب في بيته أو من خلال دكان شعبي وهم يشكلون أكثر من ثمانين بالمائة من المجموع العام لهذه المكاتب. • وأين دور هيئة المهندسين في حماية المهنة من هذه المكاتب؟ للأسف كان غائبا بشكل كبير من منطلق أن الهيئة جهة منظمة بينما الدور الرقابي مناط بالبلديات. • دكتور.. الكل يتساءل عن ماهية (عقد فيديك) الذي أصبح شبحا مخيفا للقطاعات العامة، ولماذا يتخوفون من تطبيقه؟ عقد فيديك هو عقد أصدره الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين والذي أنشئ عام 1913م بثلاث دول هي سويسرا وفرنسا وبلجيكا. وكلمة (فيديك) هي عبارة عن الحروف الأولى لجملة الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين. وهذا العقد يعدل ويجدد فيه كل عشر سنوات ويبلغ عدد الدول المشتركة في الاتحاد حوالي 70 دولة. وقد اشتركت المملكة فقط خلال السنتين الماضيتين عن طريق الهيئة السعودية للمهندسين. ومن الواجب الإشارة إلى أن الاشتراك لا يكون عن طريق الأفراد بل الجمعيات المهنية. فمصر مثلاً لم تشترك عن طريق نقابة المهندسين المصرية التي يبلغ عدد أعضائها 300 ألف مهندس بل بواسطة جمعية المهندسين الاستشاريين والتي لها مكتب صغير لايقارن بالنقابة لكن نظام فيديك لا يقبل سوى باشتراك المهندسين الاستشاريين فقط. أما مسألة التخوف فمرده يرجع في رأيي من حرص أجهزة الدولة على عدم فقد يدها العليا في معاملتها مع الآخرين. ونحن اعتدنا أن نتخوف من أي شيء جديد لكن علينا أن نبادر لأن هناك دولا طبقت هذا العقد على كل المشاريع الحكومية والخاصة ونجحت في ذلك مثل الأردن والبحرين وحكومة إمارة ابوظبي. • ما مدى التجاوب الذي لمستموه بعد توجيه مجلس الوزراء بالاستفادة من هذا العقد؟ للأسف أننا لم نجد أي تجاوب حتى الآن، وقد شاركت في دراسة لتحوير العقد بما يناسب الظروف السعودية وتم تنظيم مؤتمر للمقاولين حضره وكلاء وزارات المالية والتجارة والشؤون البلدية والقروية وكلهم أخذوا نسخة من هذه الدراسة، ولكننا لم نتلق منهم جميعا أي رد ومضى على هذا المؤتمر الآن أكثر من سنة وأربعة أشهر ولا أدري ماهي الأسباب. • ألا يطمئن هذا العقد الجهات الحكومية؟ الواقع مع هذا العقد أشبه بشخص كان يفعل مايريد دون أن يسأله أحد، أما الآن فإن تأخرت أي جهة في عمل ورقة فإنها ستخسر لأن هناك غرامات تطبق على العقد وهذا مايثير مخاوف موظفي القطاع العام لعدم تعودهم على مثل هذا النظام، ولكن للأمانة فالعقد فيه توازن مثالي في توزيع المخاطر بين المالك وبين المقاول على خلاف ما يحدث حاليا في العقود التي تميل لصالح القطاع العام وتقزم حقوق المقاول وتضعه تحت ضغط كبير جداً. فكل أمر يستجد من مسؤوليته، وكمثال إذا تغيرت الأسعار فإن المقاول هو المسؤول ولن يتم تعويضه وإذا تغيرت القوانين فإن المقاول هو المسؤول أيضاً، وهذا الأمر دفع الكثير منهم لرفع سعر التكلفة لتعويض مايحدث من مفاجآت وخسائر وأصبحت العديد من المشروعات تتوقف وتتعثر بسبب تعثر المقاولين الذين وجدوا في نموذج فيديك مقارنة بنماذج أخرى عقدا مثالياً. نحن نريد تخفيض سقف نسبة سيطرة القطاع العام أو المالك على العقود وننادي بألا تكون نسبة 90% لحقوق القطاع العام و10% لحقوق المقاول. نريد أن تكون مثلاً 60% للقطاع العام و40% للمقاول. وهذا سيؤثر إيجابياً على تكاليف المقاولين. • إلى أي درجة يعتبر عقد الأشغال الحالي مجحفا؟ عقد الأشغال يأخذ جانب القطاع العام على حساب المقاولين وتوسيع حقوق وسلطات القطاع العام وتقليص حقوق وسلطات المقاولين وهو أشبه بالرجل الميّت. لأنه مبني على الفكر التشريعي الفرنسي الذي يعظم دور القطاع العام ويضعها في درجة أعلى من المتعاقدين معها تأسيساً على أنها تدير المصالح العامة وبالتالي فلا مجال لتساوي الحقوق مع وجود المصالح والمرافق العامة، كما أن المخاطر في عقد الأشغال العامة غير متوازنة وحجم المخاطر المطلوب تحميلها للمقاولين في العقد تخرج عن كون المقاولة مخاطرة محسوبة إلى كونها مخاطرة غير محسوبة وأحياناً مغامرة. وهذا الوضع دفع المقاولين نتيجة للمخاطر الكثيرة لمضاعفة أسعارهم التي تتحملها الخزانة العامة للقطاع العام وقد كلفت هذه الزيادة في الأسعار خزينة القطاع العام أكثر من عشرة مليارات ريال تقريبا ولكن لو طبق عقد فديك فستسترجع الخزينة العامة للقطاع العام أكثر من 85 في المائة من هذا المبلغ. • وماهي أسباب عدم رد الوزارات على تطبيق عقد فيديك؟ من خلال تجربتي على مدى ثلاثين عاما هناك قضايا لاترد القطاع العام فيها إلا بعد ثمانية إلى تسعة أشهر وقد يقال للمقاول ليس لك شيء، لكن عقد فيديك غير ذلك تماما فالمدة إن مددت للرد تستوجب دفع مصاريف يومية للمقاول لأن لديه معدات مستأجرة ومهندسين وعاملين يتضررون من إطالة المدة، فالمسألة ببساطة هي ان عقد فيديك يغير طريقة تفكير الملاك والأجهزة الحكومية من أسلوب التراخي إلى مرحلة الالتزام والدقة وهذا الأمر يستدعي طريقة تفكير الناس المنفذين وثقافتهم وتعاملهم وانضباطهم، أما بالنسبة للإدارات العليا فعليها أن تتنازل. • وهل هناك جهات شرعية رفضت هذا العقد أو لها أي تحفظات عليه؟ الجهات القضائية اعترضت على إخراج النزاع من مظلتها إلى مظلة أخرى، ورأي كثير من القضاة أن التحكيم لا يمكن أن يكون وقيل هذا الأمر علنا في عدة مؤتمرات وقيل إننا كمهندسين لانصلح كمحكمين فأوجدنا صيغة توافقية بحيث يتدرب المهندس على المسائل الفقهية المناسبة للتحكيم فقالوا: لا بأس بهذا وبدأنا في عدد منها ولكن حتى الآن نواجه رفضا من الأفراد بينما وزارة العدل لم ترفض ولم توافق. • لكن مبرراتهم واضحة بشأن النقاط التي تخالف الشرع؟ بدون شك. هناك نقاط في عقد فيديك تحتاج إلى إعادة نظر لأنها مخالفة للشريعة الإسلامية إذا أخذت كما هي، وكمثال مايتعلق بالجانب الربوي إضافة إلى جزئية مهمة تتناول سقوط حق المقاول في المطالبة إذا مر على مطالبته 28 يوما ولم يبلغ بها مسبقا ولكن شرعا الموضوع أوسع من ذلك لأن القاعدة الشرعية تقول إن الحق لايسقط بالتقادم ولو بعد عشرين سنة والقطاع العام نظمت هذا الأمر وقالت إن المقاول إذا لم يتقدم خلال عشر سنوات من انتهاء مشروعه يسقط حقه في ذلك لأن القطاع العام ليس عندها مستودعات لتحفظ فيها أوراق آلاف المشاريع لسنوات غير محدودة وهذه الأوراق قد تكون خمسة آلاف ورقة وقد تصل إلى الخمسين ألفا. • وفيما يخص رفض القطاع العام الذهاب للتحكيم فلنا تجربة سيئة مع فريق التحكيم إبان مشكلة شركة أرامكو قبل خمسين عاما والتي أجحفت حق القطاع العام آنذاك؟ هذا صحيح وقد نوقش الموضوع على أعلى مستوى وعقد فيديك يقول إنه إذا كان القطاع العام هو المالك يتم الذهاب إلى التحكيم. وهو عبارة عن اختيار شخص أو ثلاثة أشخاص خارج النطاق الحكومي ونطاق القضاء للبت في هذا النزاع بصورة أسرع وأكثر تخصصاً وسرية. لكن القطاع العام حتى الآن لا يقر الذهاب إلى التحكيم في نزاع بينها وبين المواطنين ومنهم المقاولون وأي شخص آخر معتمدة على نظام المقاولات الحكومية الحالي الذي تحال خلافاته عبر ديوان المظالم وهو محكمة إدارية. وقد اقترحنا أن يبقى ديوان المظالم هو الذي ينظر النزاعات كمرحلة أولى ثم بعد خمس إلى عشر سنوات يتحول النظام إلى التحكيم وفي خلال هذه المدة نكون قد جهزنا كوادر في قطاع التحكيم، وفي عقد فيديك تقوم لجنة فض المنازعات وقد وجد أن 90% من المشاكل في كل المناطق التي نفذ فيها العقد تنتهي عند هذه اللجنة ومن ثم فما يذهب للتحكيم لا يتجاوز 10% ومعظم القضايا تنتهي عند التحكيم لعدم وجود درجة أخرى من التقاضي. وللعلم فآلية حل المنازعات بين المالك والمقاول سهلة ومفيدة جداً وتم تجريبها ووجد أنها تحل كل المشكلات بينهما، في الوقت الذي نجد فيه أن العقود الحالية لا تقوم بذلك وتشير إلى الذهاب لديوان المظالم أو المحاكم الأخرى غير المتخصصة وتستلزم وقتاً طويلاً. لذلك فإن اللجوء للتحكيم أو الطرق الأخرى المذكورة في عقد فيديك تقلل كثيراً من الذهاب للمحاكم وصارت المشاكل تحل داخل المشروع نفسه. • السؤال.. كيف يمكن أن يصبح العقد متوافقا مع الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين وهو يشهد هذا الكم من التعديلات شبه الجذرية والتي قد تضعف تطبيقه؟ العقد به عشرون بندا وماتم تعديله لايتجاوز الربع. والاتحاد الدولي يقبل بالتعديلات الطفيفة لكل قطاع عام إذا لم تمس صلب العقد وبما يتناسب مع بيئة البلد. وهذه التعديلات لا بد أن تعرض على الاتحاد الدولي لإقرارها. لكن لن يكون العقد هو عقد فيديك الأصلي. أما إذا كانت التعديلات كثيرة وكبيرة فإن الاتحاد الدولي يقول بأن نفعل ما نريده ولكن لا نطلق عليه عقد فيديك، وإنما عقد مبني على أفكار عقد فيديك. • هذه التعديلات الجذرية قد تتسبب أيضا في هروب رأس المال الأجنبي وإبطاء حركة الشركات الكبيرة؟ ولكن العمل بموجب هذا العقد المعدل أفضل كثيراً لهذه الشركات الأجنبية من العمل بموجب عقد القطاع العام الذي يرى المقاولون الأجانب بشكل عام أنه غير متوازن وبين عقد فيديك الأصلي. نحن في مرحلة انتقالية ونحاول في المستقبل أن نصل إلى صيغة من عقد فيديك تكون مقبولة للقطاع العام وللشركات الأجنبية بحيث لا يتصادم مع مبادئ الشريعة الإسلامية والنظام العام السائد في المملكة العربية السعودية. • وهل بيئتنا جاهزة لتطبيق عقد فيديك حاليا؟ عقد فيديك يصعب تطبيقه حاليا لأن مناخ صناعة التشييد في المملكة ليس متطورا، بل أستطيع أن أقول إنه شبه متهالك ويحتاج إلى دراسات كبيرة جدا ليجهز ولكن مالايدرك كله لايترك جله فعلينا أن نأخذ الأمور مرحلة وراء أخرى. • ذكرت أن هناك 12 نوعاً لعقود فيديك ولكن التركيز حالياً على نوع واحد من هذه العقود وهو عقد القطاع العام والمقاول. هناك عقود أخرى تهم المواطن والقطاع الخاص لكنها مهملة، لماذا؟ هي ليست مهملة ولكنها تحتاج لوقت حتى ننجزها. الحاجة الماسة الآن لهذا العقد الأحمر. قد تكون احتياجات السوق السعودية بنسبة 60% للعقد الأحمر والبقية للأنواع الأخرى من عقود فيديك. وسنحاول أن ندخل أفكار فيديك إلى السوق بهدوء. فإذا تم قبول العقد الأحمر فإن ذلك سوف يفتح الأبواب لقبول بقية العقود. • كيف تتعاملون مع إشكالية صرف المبالغ المستحقة للمقاول فور وصول مواد البناء إلى الموقع؟ أقررنا هذا الشرط لأننا نعتبرها ميزة لسرعة تنفيذ العقد. كلما كانت مالية المقاول للمشروع كبيرة كان أداؤه أفضل. الأمر عبارة عن منظومة. إذا كان المالك مطمئناً للمقاول وكان المقاول واثقاً من إمكانية تنفيذه للمشروع من الناحية المالية فلا بأس في إعطائه المبالغ مقابل توريده للمواد. المشكلة في ناحيتين: قضية المستخلصات ومدى الثقة في الاستشاري والمقاول في عدم العبث بالمواد ونقلها إلى خارج المشروع. قد يساء استخدام بنود العقود. المقاول قد يجلب المواد المطلوبة ويصرف مستحقاته ومن ثم يقوم بنقل نفس المواد إلى موقع آخر ويطالب بصرف مستحقاته عن المشروع الآخر. القطاع العام لا يملك الأجهزة الكافية للتثبت من وجود كل المواد المتفق عليها في كل المشاريع الحكومية. • وكيف يمكن إقناع القطاع العام بقبول هذا البند؟ نحن نؤمن بأنه كلما خفف القطاع العام من الضغوط على المقاول كان أقدر على تنفيذ مشاريعه. • ومن حقها في نفس الوقت أن تحافظ على حقوقها؟ يمكن للقطاع العام أن يضع ما يراه من الشروط للتأكد من كل ما تريد التأكد منه. الدولة لها ممثلون يمثلونها كمالك للمشروع. حسن اختيار الاستشاري ومراقبة أدائه والثقة فيه من أدوات الدولة التي تمكنها من المراقبة. إذا كانت الدولة تثق في فريقها فإن الأمور سوف تسير بصورة حسنة. • بمعنى ان كل خطأ أو تقصير من طرف يعتبر مصلحة للطرف الآخر؟ العلاقة في عقد فيديك تكاملية بين جميع الأطراف. فالمطلوب من المقاول تحسين أدائه الإداري بشكل جيد واستخدام التقنية العالية في حفظ المستندات والأرشفة. عقد فيديك كله مبني على الوقت. إذا تأخرت لمدة يوم واحد تخسر خسائر كبيرة. كذلك لا بد من الرد على أي خطاب في ظرف خمسة أيام. لذلك على المقاول أن يكون له نظام أرشفة وحفظ مستندات متطور وفاعل حتى يستطيع استعادة المستندات التي يحتاجها عن طريق التقنية الحديثة، هذه التقنية أيضاً تنبهه إذا تأخر في الرد على أي استفسار. حقوق المقاول كلها مرتبطة بالوقت. بالنسبة للاستشاريين عليهم أن يقوموا بتحسين أدائهم لأن مسؤولياتهم في عقد فيديك تضاعفت وأصبحت كبيرة جداً. صاروا كأنهم حكم بين المالك والمقاول، لذلك عليهم أن يقوموا بعملهم بسرعة وكفاءة كبيرة ودون تأخير، وإلا أصبحوا عرضة لكي يرجع عليهم المالك. إذا أخطأ الاستشاري فإن من يدفع ثمن هذا الخطأ هو المالك. لذلك على الاستشاري أن يرفع من مستوى وقدرات العاملين لديه وأن يزيد أتعابه لتتوازى مع مسؤولياته في العقد. المسؤوليات الحالية للاستشاري لا تتجاوز نسبة 20% وفي العقد الجديد سوف تصبح 100%. ولا يستطيع القيام بهذه المسؤوليات الجديدة بدون رفع مستوى أتعابه وزيادة رواتب العاملين لديه لأنه سيحتاج إلى مهندسين بكفاءات عالية. بالنسبة للقطاع العام عليه أن يحسن من أدائه الإداري ومن حفظ المستندات وتدريب العاملين لديه على العقد الجديد، وكذلك تعديل بعض الأنظمة السائدة وبالذات الأنظمة الإدارية، لأن كل تأخير يوم أصبح يكلف المالك أتعابا إضافية، وكذلك حسن اختيار الاستشاريين. • الغريب أننا بدأنا نطبق بنجاح عقد فيديك في القطاع الخاص؟ وهذا أمر جيد لأنه يستحث الأجهزة الحكومية على التحرك فشركة بن لادن مثلا لديهم عقد مع الدولة لتمويل جزء من مطار الملك عبد العزيز على أساس أن يقوموا باستغلاله والإفادة منه لمدة 30 عاماً ثم يقوموا برده للدولة وهذا أحد أنواع عقود فيديك الذي يسمى اختصاراً BOT ولكنه في عقد فيديك يسمونه EPC وهي اختصار للهندسة وتوريد وتمويل المواد وهو العقد الفضي في سلسلة عقود فيديك. • ألا تعتقد أن الأزمة المالية الحالية المرتبطة بالنظام الربوي وعلاقتها ب«فيديك» يمكن أن تبطئ تنفيذ هذا العقد في المملكة؟ أعتقد أن الاتجاه الأكبر سيكون تجاه إلغاء البنود الربوية والاتجاه إلى النظام الإسلامي المعمول به والذي هو النظام الرسمي للمملكة. ثبت أن النظام الربوي به العديد من المشاكل وظهر في الوقت الحالي الاتجاه لحل مشاكل فيديك بواسطة الأنظمة الإسلامية. الأمر الآخر هو أن الأزمة المالية الحالية سوف تعطي المقاولين دفعة للاستفادة من هذه العقود التي تقل فيها مخاطر المقاولين بنسبة كبيرة من العقود المستخدمة الآن مع الدولة ومع القطاع الخاص. • وحكاية رأس المال الأجنبي الهارب، هل هي دعوة للاستيقاظ فقط؟ المسائل غير واضحة وتأخذ وقتا وأي شركة لو عرفت أن عقد فيديك يحل مشاكلها خلال شهرين فستأتي لكنها لن تجازف إذا عرفت أن القضايا تأخذ من خمس إلى عشر سنوات فهنا إما أن تقبل بحيث تشتري المخاطر فتضاعف الأسعار بما يضمن الحقوق وفي هذا خسائر كبيرة على الخزينة العامة. وهناك شركات أعلنت بصراحة أنها لن تدخل في أي مشاريع في المملكة تخوفا من عقد الأشغال الحالي وعدم وجود عقد فيديك الذي اعتادوا عليه. • وفيما يخص المشاريع المتعثرة حاليا؟ سيقلل العقد من تعثر المشاريع ولكنه لن يحيي الميت، أجزم بأنه سيقلل من المشاكل بنسبة 70% تقريبا. • هذا يعني أننا لن نرى عمال البناء من العمالة المتخلفة على الأرصفة؟ إطلاقا لن يكون، بل سترتقي الأمور إلى درجة الاهتمام برفاهية العمالة ففي افريقيا تدرب الشركات العامل وأسرته على مقاومة الإيدز فالعقد يهتم بالجميع وعلى المقاول أن يقدم مايثبت الوضع الصحي والتأميني للعامل ولن يقبل منه أن يضع عشرة عمال في غرفة واحدة كما يحدث الآن. • متى تتوقع أن نبدأ في تطبيق هذا العقد؟ كنا نتمنى لو تم ذلك منذ عام ولكن. • ورسالتك للمتخوفين والمترددين؟ هذا العقد يشكل طوق نجاة للقطاعات العامة وفرصة لإعادة الثقة بين كل الأطراف. • دعني أسألك وأنت قريب من أجواء الشركات العائلية عن خلفية ما حدث كمثال إعلان تصفية أملاك شركة المغربي في ينبع وغيرها من المدن.. ما الذي يحدث فعلا؟ إذا توقفت تروس المكينة فإنها لا تعمل وماحدث أن هناك تفككا واضحا بدأ يظهر على السطح والشركات العائلية عليها أن تعيد النظر في واقعها بمايتلاءم والمرحلة الحالية وليس أمامها إلا أن تندمج مع الواقع من خلال شركات مساهمة أو مقفلة بحيث تتقدم الكفاءة على القربى وإلا فستفشل في المواجهة.