لِم أحيانا يصاب المحبون بالعي عند الالتقاء بالحبيب، فيحتبس الكلام في حلوقهم، وتجمد العبارات على ألسنتهم ويستحيلون إلى صور باهتة خالية من التعبير أو التفاعل؟ يقول أحدهم: (وما هي إلا أن أراها فجاءة، فأبهت حتى ما أكاد أجيب)، ويدعي جميل بثينة أن رؤيته بثينة (تنسيه) ما يريد أن يقول، (وإني لينسيني لقاؤك، كلما لقيتك يوما، أن أبثك ما بيا). ويذكر أبو فراس أن زيارته لدار الحبيبة (تضيع) منه القول والفعل (فيتلخبط) ما يدري ما يصنع! (يضل علي القول إن زرت دارها، ويغرب عني وجه ما أنا فاعل)، فأبو فراس على بلاغته وفصاحته وطلاقة لسانه، متى لقي الحبيبة استحال إلى فدم عيي عاجز عن أي قول (وفي الحي سحبان وعندك باقل)، وكثير عزة ينسب ما يصيبه عند رؤيته الحبيبة، إلى الهيبة (أهابك إجلالا وما بك قدرة، علي ولكن ملء عين حبيبها)، أما المتنبي فإنه يختزل القضية برمتها إلى سبب واحد، هو أن هذه هي طبيعة الحب، فالحب الحق هو الذي يحبس الكلام، وما عداه فزيف وادعاء، (الحب ما منع الكلام الألسنا). كثيرون هم الذين يفسرون العي الذي يصيب المحبين بأنه نتيجة متوقعة للشعور بالرهبة أمام الحبيب، ومن المعروف في علم النفس أن الإنسان متى وجد نفسه في موقف يثير انفعالاته إلى درجة عالية كالشعور البالغ بالإحراج أو الفزع أو الفرح أو الحزن، يصاب أحيانا بفقد القدرة على الكلام فيعقل لسانه وقد تعتبريه التأتأة والتهتهة بسبب ذلك، إلا أن هذا القول لا يحل الإشكال القائم، فهو نفسه مثار التساؤل، ما الذي يخلق الهيبة للحبيب ولِم يستشعر المحب بالرهبة في حضوره؟ أهو فرط الحب الذي يجعل الحبيب يظهر في عين المحب بمظهر سام يتجاوز البشر وما فيهم من نقائص وعيوب وضعف، فيبث ذلك في نفسه شعورا بالإجلال والتقدير تجاهه؟ أم أن فرط الحب يجعل المحب حريصا كل الحرص على الاحتفاظ بالحبيب وعدم فقده، ومن ثم يشعر أمامه بالخشوع خشية أن يبدر منه ما يغضب الحبيب أو يصيبه بالضيق والنفور؟ ما يزيد الأمر غموضا والفهم تعقيدا أن هذا ليس هو حال المحبين دائما، فأحيانا يكون حالهم عكس ذلك تماما، فيصير اللقاء بينهم ساعة من المناجاة الشهية تندى بالعذوبة والحلاوة (هل تذكرين بوداي النيل مجلسنا، ..)، (لست أنساك وقد أغريتني بفم عذب المناجاة رقيق)، (وكأن تحت لسانها هاروت ينفث فيه سحرا)، (لكل حديث بينهن بشاشة)، (تجود علينا بالحديث وتارة...)، (وحديث ألذه هو مما، ينعت الناعتون يوزن وزنا). أبيات تتلو أبياتا تتلوها أبيات في التغني بعذوبة المناجاة والهمس، فمتى يكون لقاء الحبيب مثيرا للرهبة مليئا بالهيبة مؤديا إلى العي وانعقاد اللسان، ومتى يكون مصدرا لانسياب حلو اللفظ وتدفق رقيق الهمس؟ فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة