هناك أغنيات وطنية لا تزال تقبع في ذاكرتنا، تستنهض تفاصيلها بين الحين والآخر، فهي أغان لم تأت من فراغ، ولم تعد بطرق عشوائية سريعة لتذهب مع مرور مناسبتها. فالأغنيات القديمة وإن لم تقدم حاليا إذاعيا أو عبر الفضائيات السعودية لارتباطها بمرحلة معينة وملوك رحلوا عنا إلى بارئهم، إلا أنها تحتفظ بوهج داخلي في ذائقة المتلقي، حيث عمق الكلمة والرؤية اللحنية والتنفيذ الموسيقي البسيط في جزئياته والمتماسك في روحه وإبحاره. ومن بين تلك الأعمال الوطنية المحفورة في ذاكراتنا نشيد (سيوف العز) أو كما عرف (ربنا واحد ودربنا واحد) الذي كتبه الأمير بدر بن عبد المحسن ولحنه وغناه فنان العرب محمد عبده في عهد المغفور له جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز، فهذا النشيد كان له الحضور الفاعل في تلك الفترة، تسمعه في الإذاعة والمدرسة ويتغنى به الأطفال والكبار، يبحرون في معانيه وحروفه وأنغامه، ويضاف إليه أغنية وطنية أخرى للأمير بدر بن عبد المحسن وألحان محمد عبده شكلت مرحلة أخرى في الطروحات الغنائية الوطنية وهي (هام السحب). وللراحل الفنان طلال مداح محطات كبرى مع الأغنيات الوطنية القابعة في وجدان المتلقي، ومنها: (وطني الحبيب) التي كتبها عبد الرزاق بليلة ولحنها طلال مداح، والأخرى (أفديك ياوطني) التي كتبها الأمير الراحل عبد الله الفيصل ولحنها الموسيقار طارق عبد الحكيم، ثم الأغنية الوطنية (سعوديين دستورنا شرع الله) التي كتبها الأمير فهد بن محمد ولحنها الفنان محمد المغيص، كانت هذه الأعمال ذات طابع خاص في حضورها وتفاعل المشاهد والمستمع لها. وفي المقابل، غنى الفنان محمد عمر أيضا أعمال وطنية جميلة شكلت مرحلة في مشوار الأغنية الوطنية السعودية، ولا يزال المتلقي يتذكرها وفي مقدمتها أغنية (قلنا نعم .. نعم) التي كتب كلماتها أحمد السعد ولحنها الفنان سامي إحسان، يضاف إليها عمل وطني كان من الأعمال الجميلة كتب باللغة العربية الفصحى بعنوان (يا موطني) من كلمات علي صقيل وألحان محمد عمر. ونستطيع القول إن المعايير للأغنية الوطنية اختلفت عن الفترات السابقة، فقد كانت ضمن دائرة حرص الفنان وينفذها ويسعى إليها بين الحين والآخر، ويبحث بنفسه عن النص المناسب ليقدمه للمتلقي، أما الآن فالفنان ينتظر ميزانية تقدم له أو مباردة تأتيه أو توجيها يصل إليه، ومن ثم يبحث عن أي عمل سريع ولحن أسرع وتنفيذ مكرر ليقدمه.