عشنا مؤخرا ما يمكن تسميته «معركة الاختلاط»، أما المعركة فلأن المتشددين أرادوها كذلك وسموها بهذا الاسم وإلا فهي حدث كبير يحق لنا الفخر به طويلا، وأما الاختلاط فهو المفهوم المفخخ الذي سوقوه علينا لفترة طويلة جدا واتضح اليوم أنه ببساطة مفهوم محدث دينيا بل إنه هو السنة الحقيقية في مقابل الخلوة المحرمة. المفاهيم خطيرة جدا، فهي تحدد المفكر فيه لدى المجتمع، وحين تتم إساءة استخدامها وتوظيفها فإنها تحصر زوايا النظر في زاوية واحدة وتلغي الزوايا الأخرى. جماعات الإسلام السياسي منذ بدأت وهي شديدة الذكاء في اعتقال المجتمعات عبر صياغتها لمنظومة مفاهيم وأفكار تتصل ببعضها بشكل عنكبوتي وذلك لتحكم قبضتها على المجتمع وتبسط سيطرتها عليه. الاختلاط هو أحد هذه المفاهيم المركزية التي اعتمدوا عليها، ومن هنا نفهم شراسة المعركة التي افتعلوها حول جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية مرتكزين على ذخيرتهم المفاهيمية السابقة، ولكن السحر هذه المرة قد انقلب على الساحر. لقد بلغوا من الجرأة والتطاول في هذه المعركة كما لم يبلغوا من قبل وذلك بمعارضتهم لمشروع ملكي أشاد به المجتمع وقياداته ونخبه ورحب به العالم بأسره، واحتفى به العلماء، فلم يرقهم هذا وأجلبوا بخيلهم ورجلهم ضد المشروع كما هي عادتهم بمعارضة كل ما لا يتفق مع رغباتهم وأهدافهم، ولكن المختلف هذه المرة هو أنهم وجدوا من يوقفهم عند حدهم ويسائلهم ويناقشهم وهو ما لم يعتادوه من قبل، فتم تسليط الأضواء بكل قوة على هذا المفهوم اللغم الذي هو مفهوم الاختلاط. كانت الأضواء المسلطة على هذا المفهوم متنوعة ومتعددة منها الدينية ومنها الثقافية ومنها السياسية ومنها الإعلامية وغيرها من الأضواء، وبما أن زخم الضياء يعري مساحات الظلام فقد اتضح بكل جلاء أن مفهوم الاختلاط كما يطرحونه هو مفهوم محدث في الدين ومضر في الدنيا، بل وأكثر من هذا هو مفهوم يعارض الطبيعة البشرية التي كانت منذ بدايتها وحتى الآن قائمة على اختلاط البشر بعضهم ببعض ذكورا وإناثا، كبارا وصغارا، كما يعاكس تماما المفهوم الديني الحقيقي الذي هو مفهوم الخلوة، فتحريم الخلوة يعني أن الاختلاط هو المشروع، وهو ما جرى في النص الديني وفي السيرة النبوية كما هو معلوم. ما يجب أن نصنعه في هذه المرحلة هو مزيد من التعرية وتسليط الأضواء على عدد من المفاهيم التي أقاموا عليها بنيانهم لكي نستطيع خلخلته من القواعد، ومن أمثلة تلك المفاهيم مفهوم «الجهاد» ومفهوم «الالتزام» ومفهوم «الحجاب» وغيرها، وهي مفاهيم بعضها له في النص الديني أصل كالجهاد والحجاب وبعضها لا أصل له كالاختلاط والالتزام. وقد اتبعوا طريقتين لتسويق هذه المفاهيم بحسب وجود الأصل الديني من عدمه، فإن وجد الأصل الديني اجتهدوا على قصر معناه على المعنى الذي يختارونه هم والذي يخدم أهدافهم دون غيره من المعاني التي يدل عليها الأصل والتي قال بها الفقهاء والعلماء على مدى قرون، وإن لم يوجد الأصل الديني اخترعوا هم أصولا يلوون أعناقها ويسمونها بغير اسمها حتى توصلهم لمبتغاهم. أحسب أن مهمة تعرية المفاهيم المفخخة وإعادة قراءتها وتفكيكها وتأويلها هي مهمة جليلة سيكون لها طيب الأثر في واقع المجتمع ومستقبله. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة