فيزياء القلي من أغرب ديناميكيات المطبخ... وتعكس عملية تحضير «المقلية» أو «الطعمية» إحدى أعلى التحولات الحرارية في الطبخ، أعلى من السلق، والشي، والخبز... ومن العجائب أن درجة حرارة الفرن تصل إلى 260 درجة مئوية بينما لا تتعدى درجة حرارة زيت القلي 191 درجة مئوية... وبالرغم من هذا التباين فتبقى الحرارة أعلى في القلي، ذلك لأن حرارة الفرن تعكس انتقال الطاقة من خلال الهواء بداخله، بينما تعكس درجة حرارة الزيت تركيز الطاقة في بيئتها العالية الكثافة... والقلي محير أيضا في أنه أسهل أنواع الطبخ، ولكنه من نوع السهل الممتنع، لأنه من السهل أن نحرق الطبخة لو لم نضبط درجة حرارة الزيت... وأحد الأسرار هنا هو أنه عند وضع الطبخة في الزيت الساخن تنخفض درجة حرارته بسرعة عالية بمقدار قد يصل إلى عشرين درجة مئوية أو أكثر، ولذا فالقلي الصحيح يتطلب استخدام كميات كبيرة من الزيت... وهو يختلف عن «التحمير» أو «القلقلة» الذي يستخدم كميات قليلة من الزيت ويتم تقليب المحتويات بسرعة... ويسمونها «سوتيه» Saute وبالفرنسي معناها «قفز» أو «نط» فتصبح «نطنطة»... الشاهد أن القلي يتخلص من الماء على سطح الطبخة وبالتالي فالأكلات التي تحتوى على خلخلة في تركيبتها الهندسية مثل المقلية أو الكفتة أسهل في الطبخ من الأكلات الصلبة مثل البطاطس أو الدجاج ذلك لأن الماء يشكل طبقة مانعة على أسطحها مما يمنع تخلخل الحرارة إلى داخلها بيسر ليمنحها التوازن في الاستواء واللون الذهبي الجميل... ولا ننسى أن القلي يعتبر من أشد أنواع الطبخ ولذا فيلجأ البعض إلى تلطيف الأسطح بتغليفها بطبقات من الخبز والبيض... وهذه من روائع القلي لأنه من العمليات الغنية بروائع ديناميكية انتقال الحرارة... وكل ذلك بداخل القلاية المليئة بالزيت. وبالمناسبة فهذا السائل العجيب هو طبعا عبارة عن دهون سائلة مكونة من كربون وأكسوجين وهيدروجين... وكلما ارتفعت روابط الهيدروجين، كلما «تشبع» الزيت بشكل أكبر ليصبح أكثر صلابة على درجات حرارة منخفضة، مما يزيد من خطورته على صحتنا... ولكن لذة الطبيخ المقلي تقاوم كل هذا وبالذات روعة «المقلية" الطازجة... ولكن حتى هذه الأكلة الرائعة لم تسلم من عملية التهويد ففي الأراضي العربية المحتلة وفي أوروبا وأمريكا يطلقون عليها اسم «الفلافل الإسرائيلية» ... تخيلوا الوقاحة. أمنية في الشعار الرسمي للكيان الصهيوني ستجد شعارا لا يقل أهمية عن نجمة داوود السداسية وهو الشمعدان اليهودي الذي يحتوى على التسع شمعات... وهو يستخدم لتخليد ما يصفونه بمعجزة الزيت وهو أن الزيت الذي كان كافيا ليوم واحد امتد لمدة ثمانية أيام أثناء إحدى المناسبات التاريخية اليهودية... والشموع تمثل الأيام الثمانية زائد شمعة الإضاءة التي تضيئهم جميعا... وبعد حوالى ثلاثة أسابيع من اليوم سيحتفل اليهود بأحد أكبر أعيادهم الذي يحيي ذكرى إضاءة هذه الشموع ويسمى «حانوكا» على وزن «ذلك» ولهذا الاحتفال علاقة كبيرة بالزيوت وبالأكلات المقلية ومنها «المقلية» أو «الفلافل» فالزيت يعكس في اعتقادهم أهمية المعجزة التي أضاءت الشمعة... يا ترى لماذا لا يتذكرون في تلك المناسبة المهمة أن كل عصرة زيت هي من خيرات أرض فلسطين، وأن هناك ملايين الفلسطينيين الذين يعانون اليوم وكل يوم... أتمنى أن نتذكرهم في كل وجبة ننعم بها اليوم وكل يوم. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة