قبل سنوات طويلة قرأت كتاب الدكتور مرزوق بن تنباك «الفصحى ونظرية الفكر العامي» وكونت فكرة شديدة القسوة عن الدكتور حرمتني من تتبع إنتاجه، كنت أيامها في عز الصبا وفي تلك السنين لم أكن أتسامح مع أي فكرة تقول (لا). كانت الدنيا بالنسبة لي (نعم) كبيرة بالرغم من أنها الفترة ذاتها التي امتلأت فيها كتاباتي شعرا ونثرا بأكبر عدد ممكن من (اللاءات)، لكنها جميعا كانت (لاءات) من الخارج فقط أحيانا لتهيئة المكان ل (نعم) كبيرة وأحيانا أكثر مجرد استعراض عضلات أو تقليد لمبدعين جرب معظمهم السجن فرغبت فيه طمعا في الشهرة وظنا مني أنه الشهادة الوحيدة المعتبرة حقا للإبداع والمهم أنني مارست جفاء غير لائق مع الدكتور مرزوق بن تنباك جفاء أعيش اليوم عليه ندما يستأهل الاعتذار دون أدنى شك، فقد شاهدت قبل أيام قليلة الدكتور مرزوق بن تنباك ضيفا على برنامج إضاءات، ومن حسن الحظ أنني لم أتابع البرنامج من أوله ولم أعرف الضيف، لكن هذا الرجل المسن الذي يتحدث بأناقة ولطف وثقة ومودة وموضوعية مهمومة بمصير أمة كاملة شد انتباهي وغمرني بألفة معجبة وإعجاب أليف وفجأة عرفت أنه الدكتور مرزوق بن تنباك الذي زادني توبيخا على جهالتي حين واجهه تركي الدخيل بالسؤال الذي ظللت متحرقا على معرفة رده عليه، فما كان منه إلا إعلانه أنه لم يكن أبدا ضد الشعر الشعبي، وأنه لم يؤلف كتابه «الفصحى ونظرية الفكر العامي» لمثل هذا الغرض، لكنه كان أقرب إلى ردة الفعل على اجتماع ثقافي في الدوحة رغب أصحابه في إيجاد وسيلة ناجعة لصناعة كتابة عامية أو شيء من هذا القبيل، ورغم أنني لا أتذكر أن مثل هذا السبب قد ورد في الكتاب، إلا أنني لم أعد أشك بضرورة إعادة قراءة الكتاب وتعويض ما فاتني كقارئ سيىء بالبحث عن مؤلفات الدكتور الأخرى ومصافحتها من جديد. مشاهدة الدكتور على شاشة العربية أخيرا أكدت لي صحة النظرية التي تحذر أكثر ما تحذر من قراءاتنا الأولى. إنه الحظ الحسن جاء متأخرا، لكن المهم أنه جاء، شكرا تركي الدخيل وشكرا وعذرا أستاذنا الجليل الدكتور مرزوق بن تنباك.