مهنة صناعة الأحذية الشرقية، ومشتقات الجلود الأخرى، من المهن القديمة المتوارثة التي يفخر بها أصحابها في مختلف مدن المملكة، ليس باعتبارها حرفة للكسب والعيش، بل لأنها أيضا تحمل في طياتها الذوق، وتعكس حس صاحبها، بل ومجاراة الموضة أيضا. ورغم أن هذه المهن قديمة وبدائية في كثير من الأحيان إلا أنها لم تتلاش مع مرور الوقت، وتتمسك بها الأجيال المتعاقبة رغم أنها ليست مربحة بالقدر الكافي، ولكن من الصعب تركها كما يقول أصحابها خصوصا من أحبوها وأبدعوا فيها.. ويقولون أيضا إنها مهنة لن تموت لأنها متجذرة ولها حكايات وقصص. 40 عاما خبرة بداية يتذكر برك ديان (70 عاما)الذي قضى منها أكثر من40 عاما في مهنة بيع الأحذية، ويقول: قبل أكثر من نصف قرن لم أكن أعلم أن هذه المهنة ستكون مهنتي الأبدية، و بدأت العمل صبيا في محل صغير في منطقة البلد وتحديدا في باب مكة (وسط جدة) نظير أجر شهري لا يتجاوز 140 ريالا عند شخص لا أذكر اسمه، إلا أنهم كانوا ينادونه ب(البخاري)، تعلمت منه أصول البيع والشراء وأسرار المهنة، والخبرة، ومع مرور الوقت جمعت رأس مال بسيطا وبدأت تجارة مستقلة في محل صغير، وكانت البداية التي استمرت حتى الآن وفي نفس المكان رغم تغير الوجوه والزبائن. وعن أسرار المهنة يقول ديان: للصندل أنواع كثيرة وأسماء منها القصيمي، العادي، الشرقي ، المبطن، والأخير هو الجديد وعليه إقبال كثير من الشباب، لأنه مريح في الاستخدام ويريح باطن القدم ولا يشعر صاحبه بألم عند استخدامه، كما أن أ سعارها ليست مرتفعة إذ تتراوح ما بين 30 إلى 50 ريالا حسب نوعية وجودة الصندل. الكمر وجيب المسدسات ويقول منير العاشق( صاحب محل للجلديات): «الكمر» هو أحد المنتجات الجلدية القديمة وهو عبارة عن حزام يربط حول الخصر أسفل البطن، لحفظ الأوراق والنقود والأشياء المهمة، وهو مفضل لكبار السن، ولكن الشباب لا يفضلون استخدامه كثيرا ويعتبرونه «دقة قديمة»، ويصنع الكمر من الجلد الطبيعي والصناعي أيضا، لكن الطبيعي أفضل وأجود لأنه يعيش مدة أطول. وعن موطن استيراد الجلود يقول العاشق: تأتي الجلود المستخدمة في صناعة الكمر من الهند وباكستان، وبعض دول شرق آسيا، وتمتاز الجلود المستوردة من هذه الدول بانخفاض أسعارها، وجودتها. ويضيف: نصنع الكمر يدويا باستخدام أجود الخيوط لأن زبائنه من كبار السن والذين مازلوا متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم، إضافة إلى الحجاج وأكثرهم من اليمن وبعض البلدان العربية المجاورة، ومعظهم يقتنونها للذكرى أو كهدية للأصدقاء والأقارب.. وأسعارها تبدأ من 10 لللصناعي وتصل إلى50 ريالا للمصنوع من الجلد الطبيعي، وهذه الأسعار ثابتة من زمن بعيد. أما عن حافظات المسدسات أو( جيب المسدس) فيصنع من الجلد الطبيعي للحفاظ على السلاح وحمايته من الصدأ، وأكثر الذين يشترونه هم أبناء القبائل، وكل قبيلة لها عاداتها وتقاليدها المعروفة في حفظ الأسلحة واختيار المناسب لها من الجيوب، أما عن الأسعار، فيقول العاشق: ليست مرتفعة، فلا يتجاوز ال25 ريالا مهما اختلف حجم السلاح. مجاراة الموضة فهمي العاشق (خبرة 25 عاما) متخصص في بيع الصنادل والجلديات يقول: نعمل في هذا المحل منذ ما يقارب 60 عاما، ولنا زبائننا الدائمين،حيث توارثنا هذه المهنة جيلا بعد جيل، لذلك نحرص دائما على التجويد والإبداع وتقديم الأفكار المتجددة في هذا المجال، حتى نحافظ على جذب الزبائن، ويستطرد: نعتمد على حرفة اليد في عملنا، ولذلك لا بد من مجاراة الموضة عكس ما كان معروف قديما من أن الصنادل لها شكل ولون واحد وخامة واحدة. لذلك ابتكرنا الألوان الصارخة والجذابة لمجاراة الموضة ولفت أنظار الشباب مع الاحتفاظ بالجودة العالية، لذا نقدم جميع الألوان تقريبا، ورغم ذلك مازال الشكل القديم واللون البني الأكثر طلبا من قبل الزبائن. وعن الأدوات المستخدمة في صناعة الأحذية يقول فهمي: تتكون عادة من جلد الجمال،الأغنام، والأبقار، إضافة إلى جلد الثعبان والغزال وكلها لها زبائن، ويظل الأغلى والأثمن دائما هو المصنوع من جلد الجمل الخالص. ويستطرد: بعض الشباب يأتون ويطلبون منا تفصيل الصنادل حسب أذواقهم، وبالشكل الذي يرغبون به، فيحضرون معهم نماذج من خارج المملكة مثل جلد التمساح أو جلد النمر أو حيوانات لا تتوفر لدينا، و بدورنا لا نتوانى في تفصيل النموذج حتى لا تندثر مهنتنا، وتضيع في ظل تسارع عالم الموضة. وعن الأدوات المستخدمة في صناعة الأحذية، يقول فهمي: هناك قرص دائري يسمى (الرصاص) ويستخدم في عملية التخريم إضافة للدعسة والتي تستخدم لدق المسامير الصغيرة بجانب ماكينة الخياطة وأدوات أخرى تدخل في صناعة الأحذية.