ليس من عادتي التركيز على المشاهد الطارئة أثناء قيادة سيارتي في شوارعنا، من حوادث أو «خناقات» أو «استهبال»، ودائما أقدم قاعدة «حوالينا ولا علينا» أمام أي مشهد مستفز أو «مكهرب»، لكن ما شاهدته نهاية الأسبوع أثناء توقفي في حي شعبي مكتظ بمقذوفات نارية يتبادلها صبية فيما بينهم، أجبرني على الوقوف والتعجب!. المشهد اللامألوف كان لمجموعة من الأطفال على ساحة ترابية، يتقاذفون بينهم كرة نارية من ورق، بمجرد انطفاء لهبها يتسارعون إلى إشعال كرة جديدة، وكل واحد «يتفنن» في «نطنطة» الكرة المشتعلة، وتراوده خيالات «ميسي» و «كاكا» ليقوم بشكل مفاجئ بحركة «دبل كيك» والنار تتخطف من حوله.. لينهض ويعاود أصحابه الكرة، فالمسألة كلها «ولاعة» ودفتر بريال، وصبية يتقاذفون ناتجها!. بعد ربع ساعة قضيتها، مررت فيها بأشكال ردة الفعل: دهشة ثم تعجب ثم مراقبة ففضول قادني إلى النزول إليهم، وسؤال أكثرهم حرفية «وش قاعدين تسوون»؟، ليجيب بكل تلقائية: نسوي مثل دعاية الهلال.. ويلتفت إلى صاحبه صارخا: بسرعة ناول قبل لا تنطفي!. طبعا.. مسلسل ردة الفعل استمر وأنا أشاهدهم كل لحظة يكورون مجموعة الورق لإشعالها، متسائلا: أية دعاية تقصدون؟، لتكون الإجابة الطاردة: شكلك نصراوي.. روح دور غيرنا، فسحبت نفسي من أمام قاذفي اللهب تحسبا لأي طارئ يطرأ إلى عقلهم فينالني شيء من كراتهم. الإعلان فن ومهارة، وقبل ذلك قيم معبرة تؤكد أساسيات الهوية للمنتج الإعلاني، وحينما تكون رسالتك الختامية «مهما كان التحدي.. دائما في القمة» فليس من الضرورة أن تقلد فكرة أو تحول خيالا إلى واقع، يصبح فيه المتلقي أداة تشرب مادة الإعلان بكل ماورد فيها، فكيف إن كانت شريحتك المستهدفة في المقام الأول من هم في مرحلة التشكل الفكري والعقلي، الذين اعتادت وسائل الإعلام الغربية عند توجيه أية رسالة إعلانية أن تؤكد قبل أو بعد الإعلان بأن المشاهد المصورة هي تمثيل وغير حقيقية أو تحذر من تطبيق ما جاء في الإعلان، وهذا ما ينتفي مع وسائلنا التي تبحث عن حصص المادة قبل المضمون. الإعلان المذكور بتكراره أصبح طرازا انطباعيا يستقر في العقل الباطن للمشاهد، ودليل ذلك محاولة الصبية إثبات الخيال بتطبيقه ولو على حساب ضررهم، ولا أعلم أية رسالة إيجابية تقدمها هذه النوعية من الإعلانات ولو كانت على سبيل التحفيز، أليس الأولى أن نعمق شعور الانتماء والميول بمبدأ اجتماعي خلاق يمرر الرسالة الإيجابية، فالقمة ليست محصورة في جبل ونار وإنما في بناء وعطاء. [email protected]