دق أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة أم القرى الدكتور إبراهيم التركستاني ناقوس الخطر حول تفشي مرض الاكتئاب في أوساط المجتمع لأسباب وخلفيات متعددة، معتبرا أن ذلك سيقود إلى ظهور العديد من جرائم القتل ما لم تجر دراسة المشكلة بشكل دقيق. واعتبر الدكتور تركستاني انتحار أكاديمي مكة ناصر الحارثي مؤشرا يثبت أن مرض الاكتئاب الذي يرفض المجتمع الاعتراف بوجوده هو مرض يصيب الجميع، ولا يفرق بين متعلم وجاهل. وكشف أستاذ الطب النفسي أن تأثير مرض الاكتئاب على الإنسان المتعلم أكثر من تأثيره على الإنسان الجاهل، حيث يقود الإنسان المتعلم إلى وضع نهاية تراجيدية لحياته وفق تخطيط دقيق لا يمكن كشف تفاصيله إلا بعد انتحاره. ويضيف «وربما هذا ما حدث بالفعل لأستاذ الآثار الإسلامية في مكة إن ثبتت فرضية انتحاره فعلا حيث حرص على التخطيط الدقيق لمراحل إنهاء حياته دون أن يحدث أية كارثة بين أفراد عائلته وهذا يدل على أنه كان يعاني فعلا من اكتئاب حاد قاده إلى إنهاء حياته، وأبرز الدلائل تتجسد في كتابة الوصية الكاملة، وكتابة وصية إدارة الموقف». وبين الدكتور التركستاني أن مرض الاكتئاب مرض منتشر في المجتمع بشكل كبير وملفت وفي نسبة تزايد متصاعدة فقد بلغت النسبة الأخيرة له وفق الدراسات إلى 5 في المائة بين النساء، و3 في المائة بين الرجال، واصفا إياها بالنسب المرتفعة والخطيرة. ودعا تركستاني إلى المزيد من العمل التكاملي بين كافة القطاعات الحكومية والأهلية وشرائح المجتمع المتعددة للوقوف على حلول للمعضلة، مضيفا «وتكمن الخطورة في كون 60 في المائة من المصابين بمرض الاكتئاب لديهم أفكار ودوافع انتحارية بحيث يفضلون وضع حد لحياتهم من خلال الانتحار». وقال الدكتور التركستاني «ما زال فهم المجتمع لمرض الاكتئاب قاصرا، بالرغم من خطورة المرض ونتائجه الصحية والنفسية والأمنية على المريض ولعل ما ساعد على تفشي هذا المرض في الآونة الأخيرة هو غياب الوعي لدى الأسر وعدم معرفتهم بطرق وأساليب التعامل مع المريض وعدم اصطحابه إلى عيادة الطبيب النفسي». من جهتها، كشفت مصادر مقربة من أكاديمي مكة أن وفاته عطلت إنجازا كان من الممكن أن يحدث تغييرا كبيرا عن تاريخ جدة، بعد أن شرع في الأيام الأخيرة من رمضان الماضي، في البحث عن صور تاريخية قديمة لمحافظة جدة أراد من خلالها البدء في إنشاء موسوعة توثق تاريخ مدينة جدة القديمة وإبراز الآثار الموجودة والمفقودة فيها. البروفيسور ناصر الحارثي عرفه محبوه وجملة من المهتمين بالشأن التاريخي والأثري ب«غيور الآثار»، وذلك لما يوليه الفقيد من اهتمام بالغ بالآثار القديمة والدعوة إلى المحافظة عليها من خلال مقالاته المتعددة ومحاضراته وبرامجه التلفزيونية والإذاعية، والموسوعة الكبيرة التي كان الفقيد بصدد تنفيذها عن مدينة مكةالمكرمة بعنوان «الآثار الإسلامية في مكةالمكرمة». وبدا تقدير ومحبة الأوساط الفكرية والثقافية والإعلامية على مختلف الفئات والأطياف جلياً خلال مواساتهم لذوي الفقيد على مدار أيام الأسبوع، بعد أن توافدوا فرادى وجماعات للمشاركة في تقديم واجب العزاء كلمحة وفاء إلى ما قدمه العالم الأثري ناصر الحارثي.