يثير الزميل الكاتب علي الموسى في مقالته في صحيفة الوطن، أسئلته حول أطروحة الشيخ سلمان العودة وهو يرى في السجن فرصة لتلذذ الحرية، وسحب النفس من ضجيج الوحدة إلى سكون الحياة، وإطالة الوقت بشرب الكتب وتطوير الذات واعتزال الفراغ. يرى العودة بأن السجن حياة ممتعة لمن يجيد فك شفرته. وحول هذه الرؤية يضع الموسى خطوطه الحمراء وهو يرى خطورة أطروحة العودة إذا تشربها كلٌّ على هواه، وسحبها أولئك الذين يتمردون على القانون الأمني والاجتماعي إلى قائمة قناعاتهم، ليصبح السجن في نظرهم بعثة مدفوعة الثمن لاكتساب المهارة المعرفية، والحصول على شهادات الرجولة والصبر. هنا أعتقد أن تقصي رؤية كل منهما، ستفضي حتما إلى الإجابة على السؤال الأهم في نظري: لماذا لم يعد السجن رادعا أكبر لصفوف المتمردين على الأمن والمجتمع؟ أصبح السجن نزهة لهذا وذاك، وفترة لاستعادة الأنفاس، ومرحلة أخرى لبناء البطولة «الوهم» عند الكثيرين من خريجيه. ترسخ في ذاكرتي حتى اللحظة، تلك المطولات وقصص السلف التي كنا نسمعها عشرات المرات من أفواه «رواة» يتجاهلون سنوات طويلة من سيرة عالم، وحياة فقيه ويتفرغون للحديث عن أيام قضاها في السجن. أتذكر أن السجن تحول في نظرنا من قضبان حديدية وأسقف وجدران من الأسمنت الثقيل إلى منتجع وغرف فندقية بنجوم خمس. أصبح السجن في نظرنا ونحن نستمع إلى شواهد وأدلة كل «حكواتي» من أولئك شهادة امتياز وفرصة لزيادة درجات الإيمان، والحصول على شرف الرجولة من أوسع أبوابها، خاصة إذا دخلت باب السجن وأنت تخالف توجهات الدولة. ترسخ في ذاكرتي حتى اللحظة قائمة التبريكات وولائم العشاء التي تقام لكل خارج من السجن في قضية تمرد على القانون. تقام الولائم ليس فرحة بالخروج من خلف قضبان الحديد، ولكن تهنئة وغبطة على الدخول إليها. تحول السجن من مؤسسة للعقاب والتأديب إلى أخرى تكفل لمرتادها مسميات البطولة والتميز والجلوس في صدر المجلس. لم أقابل خارجا من السجن إلا محاطا بعشرات من الأصحاب؛ يستمعون لغزارة الخبرة والتجربة، ويعيشون حكاية البطل. يخرج السجين، سجين المخدرات والسرقة والاغتصاب والتمرد على الدولة، وأيامه مشغولة بقائمة من العزائم والولائم ورقصات العرضة والمزمار. أتساءل هنا، وأنا لا أعترض أبدا على وجوب الاهتمام ببعضهم وتشجيعهم على نسيان الماضي: من أولئك الذين حولوا السجين إلى بطل مرحلة؟ وكيف أصبحت حفلات الاستقبال لمبتعث من جامعة هارفارد وسجين أنهى عقوبته في سجن عام، تقام في ذات الليل؟ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 245 مسافة ثم الرسالة