تشهد العلاقات السعودية السورية، منذ إعلان الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة المصالحة العربية في قمة الكويت، تحسنا متناميا في مسار التنسيق الإقليمي، تفرضه متطلبات الوضع العربي المتصدع وتحديات المرحلة من جهة، وروح المسؤولية المشتركة من جهة أخرى. فالمشتركات التي تجمع الرياضودمشق أكبر من محركات الاختلاف، إذا نظرنا إلى ذلك برؤية شمولية كلية، بدءا من التقاطعات المشتركة حول الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يتفق عليه الطرفان في الأهداف الاستراتيجية وقد يتباينان حول المنهجيات والأساليب المستخدمة، مرورا بالتفهم المشترك للتحديات الماثلة أمام الأمن القومي العربي، لجهة الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية، والأحداث الجارية في العراق، والانقسام الفلسطيني الحاد، والتصدعات الحادثة في الملف اللبناني، والتمرد في جنوب وشمال اليمن، وانعكاس ذلك على استقرار وبقاء النظام العربي برمته، لا سيما مع الاختراقات الحادثة في المنظومة العربية، وارتفاع وتيرة التمذهب السياسي والتجاذبات الإقليمية والدولية لدول المنطقة، من خلال تدعيم ثقافة المحاور وتكريسها. وبالرغم من تشكل سياسات الفرز والمحاور بعد الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية، وأدت إلى حالة من الاصطفاف والتصنيف السياسي، حافظت الرياضودمشق على حد أدني من الاتصال والتنسيق؛ لتخفيف حجم الخسائر بالمعنى الاستراتيجي، والتدخل عند الضرورة، إذ اعتبرت الرياض أن أي تهديد للنظام السوري يعد تهديدا للأمن القومي العربي. فيما حاولت سورية التعويض عن المثلث الذهبي (الرياضدمشقالقاهرة) عبر تشكيل مجلس التعاون الإقليمي الذي يضم (سورية، العراق، إيران، وتركيا) إلا ان تصدع العلاقات العراقية السورية من جهة، والحذر التركي الإيراني المتبادل من جهة أخرى أديا إلى الاعتماد على التنسيق الثنائي بين دمشق وأنقرة في بعض الملفات، وبين دمشق وطهران في ملفات أخرى، والعودة إلى التنسيق السوري السعودي، والسعودي المصري؛ لضبط إيقاع السياسة العربية في هذه المرحلة الحرجة من عمر الأمة العربية. فالانقسام الحادث، بالمعنى السياسي، عطل العمل العربي المشترك من جهة، وفرغ سياسة المحاور من ملامسة الأهداف العليا للأمة. فالمشهد العربي الراهن بأمس الحاجة إلى مبادرات عربية مشتركة وشفافة، عبر إعادة تعريف المصالح الاستراتيجية العربية، والفهم والتفهم المشترك من خلال المصارحة بعد المصالحة، وتنسيق الجهود وتوحيدها في قضايا حيوية لشعوب الأمة، خاصة في الملفين اللبناني والفلسطيني، اللذين يشهدان تأزمات داخلية حادة، عززها حجم التدخلات الإقليمية في مفاصل هامة وحيوية في الجسم العربي. ولكن، هل تستطيع قمة دمشق استثمار التاريخ التراكمي في العلاقات الاستراتيجية المشتركة، وتغليب المصالح العربية العليا، وتجاوز المحركات الماتحت قومية، والاستعداد لمتغيرات المشهد الإقليمي، وتوحيد الموقف والخطاب، وتجاوز لعبة تقسيم العرب بين محوري (الممانعة) و(الاعتدال). فالرياض أعلنت مبادرتها في تجاوز الخلافات العربية وإجراء مصالحات عربية شاملة، ولكن هذا الأمر يتطلب شركاء. وقياس نجاح القمة يتوقف علميا على نجاح حوار المصالحة الفلسطينية في القاهرة، ونجاح لبنان في تأليف حكومته وفق نتائج الانتخابات الأخيرة. [email protected]