رغم تطور صناعة الخبز ووجود الأفران المتخصصة في صناعته بأشكال ومذاقات مختلفة لأرضاء شرائح المستهلكين، إلا أن الخبز البلدي ما زال موجودا في مدن المملكة وقراها، وهذا ما يفرض وجود «الطاحونة» التي تدور طيلة العام وتزداد سرعتها في المواسم. والطاحونة عرفها الناس منذ زمن حينما كانت تعمل بوقود الديزل قبل أن تتطور وتعمل بالكهرباء، كما أنها جاءت كمرحلة متطورة للرحى تلك الآلة البدائية لطحن الغلال. وارتبطت مهنة الطحن بأناس توارثوها أبا عن جد، وعاشوا حياتهم على ضجيجها وصوتها الذي تطور كثيرا.. والفوا دويها الذي صار بالنسبة لهم أشبه بموسيقى ونغمات. ولكشف أسرار هذه المهنة ومدى أهميتها في الوقت الحاضر وما طرأ عليها من تغييرات ألتقت «عكاظ الأسبوعية» بعبد السلام أحمد ومحمد علي صاحبي طاحونة في جدة ولهما خبرة طويلة في هذا المجال، حيث بدأ عبد السلام الحديث قائلا: عملنا لا يهدأ، فالوقت دائما للعمل حتى وإن كان خفيفا في مثل هذه الأيام، حيث كنا طيلة شهر رمضان في حركة دائمة مع عجلة الطاحونة وفي عمل مستمر، ونعمل في هذه الطاحونة منذ زمن طويل، حيث شهدنا تطورها منذ أن كانت تعمل بوقود الديزل، وما تحدثه من ضوضاء ودخان يلوث المكان، وقد لا تتذكر الأجيال الجديدة بداية هذه الماكينة، وكيف كانت تعمل في الماضي. ويستطرد عبد السلام: كنت استمتع بالعمل مع جدي الذي أخذت منه هذه المهنة الكثير من الوقت والجهد، أي أن هناك علاقة تربطني بها ولا أخفيك سرا أنني جربت مهنا كثيرة للعمل، إلا أنني سرعان ما أعود إلى مهنتي الأصلية وأشعر بحنين لها، حتى أن صوتها أصبح بالنسبة لي أشبه بصوت الموسيقى حين تدور رحاها بنغمات وألحان تسعدني. ويزيد محمد علي على كلام زميله قائلا: صوت الماكينة لا يزعجني على الإطلاق وقد اعتدته حين تدور، وكيف لي أن انزعج منها وهي مؤشر للعمل وكسب الرزق. ويضيف محمد: يبدأ عملنا مبكرا بتسخين الماكينة ومن ثم استقبال الحبوب.. ولم يكن في السابق تباع الحبوب داخل المحل، ما كان يدفع الزبائن إلى الذهاب للسوق المجاورة من أجل شراء الحبوب بالكيلو، لكن الآن اختصرنا المسافة والوقت ووفرنا الحبوب بسائر أنواعها، حتى لا يأتي الزبون ثم يختفي مع حالة الركود في مثل هذه الأيام.. مشيرا إلى أنه في الوقت الحالي تطورت الطواحين كثيرا عما كانت في السابق وأصبحت أكثر أمانا، خصوصا بعد دخول التيار الكهربائي لتشغيلها رغم ارتفاع التكاليف العالية لفواتير الكهرباء، غير أنها تعتبر الأكثر سرعة والأنظف في عملية الطحن والأقل تلفا لكمية الحبوب. وعن حالة الركود والكساد التي تعيشها محال الطحن بعد رمضان، قال إن الكساد عموما يحدث دائما في فترة الإجازات وفي مثل هذه الأيام، إضافة إلى وجود الدقيق الجاهز في المحال التجارية وفي البقالات، ومع ذلك فإن الهدوء في محال الطحن لا يدوم، فهناك مواسم متعددة يكون فيها الإقبال على الطاحونة كبيرا، مثلا خلال الأيام الأخيرة من شعبان، حيث يستعد الناس لاستقبال رمضان ويستمر إلى نهايته، كما تشهد الطاحونة إقبالا كبيرا وزحاما شديدا لطحن القمح في مناسبات أخرى من العام.