في كل يوم، بل في كل لحظة، تظهر للناس جميعا حكمة الله تعالى في خلقه، ومن تلك الحكم الربانية تشريع الزواج بين الكائنات، ولعل ما يعنينا هنا هو التزاوج بين الرجل والمرأة، فالهدف الذي نعرفه هو حفظ النوع الإنساني وتعمير الكون. لكن وراء هذا الزواج حكما أخرى، وفوائد لا يعلمها إلا من خلق فسوى، وقدر فهدى، وهو جل شأنه الذي يتيح للإنسان بين الحين والآخر، الوقوف على بعض الأسرار التي تزيد المؤمنين إيمانا، وتهدى الضالين والحيارى. قرأت خبرا حول دراسة حديثة أمريكية بالطبع أظهرت أن المتزوجين أكثر استعدادا لمقاومة مرض السرطان اللعين، والنجاة منه، بينما المطلقون أقل قدرة على تلك المقاومة، إذ قام بعض الباحثين في جامعة انديانا الأمريكية بتحليل بيانات عدد من مرضى السرطان بلغ عددهم نحو 3.8 مليون شخص، فوجدوا أن المتزوجين منهم كانت فرصهم أفضل في تجاوز فترة السنوات الخمس بعد الإصابة بنسبة بلغت 63 في المائة، بينما حقق المطلقون نسبة قدرها 45 في المائة. وكانت دراسات سابقة قد أسفرت عن عدة فوائد صحية للزواج، وقد أشار الخبراء إلى أن الحب والدعم الذي يقدمه شريك الحياة، أو شريكة الحياة، ضروري لمقاومة هذا المرض الفتاك، كما أشارت إحدى الباحثات إلى أن المرضى الذين يمرون بمرحلة الانفصال أو الطلاق في وقت التشخيص يمكن أن يكونوا أكثر عرضة للتدهور. هكذا، ونحن في القرن الحادي والعشرين، تبدو لنا من الدراسات الحديثة ثمرة من ثمار تلك العلاقة الشرعية التي سنها الخالق للرجل والمرأة، لتحبب الإنسان رجلا أم امرأة في تلك السنة الكونية، وفي نفس الوقت تبغضه من الطلاق، أو إيثار «العزوبية». فالزواج، وياحبذا لو كان زواجا ناجحا موفقا، أنجع في علاج مرض السرطان من كثير من كيماويات العصر الحديث. هذا في حد ذاته يدفعنا إلى تغيير نظرتنا المادية البحتة للزواج، فهو ليس مجرد وسيلة لقضاء حاجة الإنسان الجنسية الطبيعية، ولا وسيلة كذلك لتحقيق احتياجات المرء المادية من مأكل ومشرب وخلافه، وإنما هو فوق ذلك كله «ضرورة» بيولوجية ونفسية، لا يمكن لفرد سوي أن يستغني عنها مهما كانت الأعذار. وإذا أدركنا أهمية الزواج على النحو المشار إليه، فمن الطبيعي أن ينظر طرفا هذا الزواج كل منها إلى الآخر، نظرة الإكمال فالرجل يكمل المرأة والعكس صحيح، بل إن كلمة «التزاوج» من الناحية اللغوية تدل على فعل لا يمكن إتمامه إلا بوجود طرفين لا تقل أهمية أحدهما عن الآخر.. ليتنا نعيد النظر في ثقافتنا الزوجية، مفهوم الزواج، متطلباته، محاسنه، كيفية معالجة مشكلاته. أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى ذلك، في وقت عزف الكثيرون عن الزواج، بينما تعثر قدر كبير في خوض التجربة بنجاح. همس أحد الخبثاء في أذني قائلا: أليس من بين الزوجات، من هن أشد فتكا بالرجال من السرطان؟، فأجبته: ومن الرجال أيضا. [email protected]