أن تنشأ جامعة بمقاييس عالمية، برؤية واضحة، بكوادر تهتز الأرض من تحت أقدامها، وبعقول شابة وطنية وعالمية، بل وبأحلام جريئة وقبل ذلك كله إصرار على تغيير المستقبل، فأنت وأنا أمام حدث يقول الكثير وينبئ عن الكثير. والحدث هو ولادة صرح يسمى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، إنجاز يحمل بصمة حضارية وفكرية، وليس مولا، أو مركزا تجاريا أو مطعما، إنه التعليم أيها السادة، ذروة سنام التنمية وأساس النهضة ووسام على صدر الأمم المتحضرة. في حين كان اليوم الوطني فيما مضى يمضي ونحن نيام، فاليوم على النقيض حراك وصخب، ومدينتي التي أحب تستقبل عشرات الرؤساء والساسة والدبلوماسيين والكاميرات تنصب والقاعات تزدحم عن بكرة أبيها في انتظار الحدث. اليوم الاحتفال كان مدويا وقلوبنا تدق وتصرخ، فالإنجاز يجعلنا نرتعد حبا وعشقا بعد أن اقتربت الأحلام من أن تتحقق وتصبح واقعا يتكلم بولادة أجيال شابة ترسم ملامح طريق الغد. من اعترف بالأمس أن وطنيته لا يستشعرها إلا من خلال رسائل نصية تصله من هنا وهناك، أو من خلال القصائد والأناشيد الوطنية، فإن حدث اليوم بات له طعم يتخطى مشاهد الرقص في الشوارع ويحمل تعزيزا لمفهوم الوطنية الحقيقي بعد أن اختزلناه زمنا في لحظات فوز المنتخب. اليوم.. بعد 79 عاما، و25 مليون نسمة، رحلة نسير في طريقها وعلى الخريطة هدف وحلم وعمل.. بنية تحتية لعقول شبابنا نسعى لتطويرها وبعثات تتلاحق إلى خارج البلاد وخطط تنموية، وأموال تضخ لتطوير التعليم بكافة مراحله ومرافقه كي نحمي غدنا من إرهاب مقزز ووجوه ضالة تطل برؤوسها ما بين الفينة والفينة. اليوم آن الأوان أن نقسم بالله العظيم أمام أنفسنا والأجيال الشابة المقبلة بأننا سنضيف بصمة وأننا لن نرضى أن يتحول إنجازنا الجديد إلى صورة من صروحنا السابقة وقد أصبحت كالعشوائيات في مجتمع يمتلىء بالفساد والمحسوبية، كما قال الرائع خالد الفيصل، وأن تتعدى تلك الإنجازات صورة الجزر النائية المنفصلة والتي تحدها من كل صوب الأخطاء والرداءة واللامبالاة وعدم الانتماء وطفيليات الأنانية المزعجة. نريد اليوم وفي عيدنا أن نؤسس لبيئة خالية من المحسوبية، وأن نحارب الرشوة والفساد، وأن نضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه المساس بمنظومتنا الأخلاقية النابعة أصلا من ديننا، وخير ما نبدأ به هو التعليم والاستثمار في عقول شبابنا، أن يكون الصرح نموذجا لبيئة مثالية. سمعنا كثيرا عن من يشكك في مشاريعنا الجديدة، وأنها ستبقى على الورق فقط، اليوم يولد مشروع مبشر على أرض الواقع، لذا وجب أن نعتذر للوطن، أن نقبل ترابه الطاهر، أن نقر بروعة معناه وقيمته في قلوبنا، وأن نعترف بحقه على رؤوسنا جميعا، مقرين أننا تأخرنا عن من سبقونا رغم أنهم ولدوا قبلنا، أن نعد بأن المقبل أجمل، وأن لا نسأل في سذاجة ماذا أعطانا الوطن، فقد قررنا أن نعطي ونعطي بلا سؤال. خطوة رائعة للأمام .. صفعة على وجه الإرهاب المقيت، صفحة جديدة ندعو الله أن تكون مشرقة وإضافة لوطن له قيمة منحها الله له قبل أن يهبها له بني البشر. دمتم ودمت يا وطن غاليا مشرقا.. أخضر.