عندما كنت طفلا تحاول أنامل يدي احتضان القلم، ويحاول القلم نفسه أن يتخلص من بدايات تأتآت الكتابة ولثغات الحروف عندما أنثرها على بياض قوائم الورق المسطر آنذاك عندما تأتي أم تحمل في خباياها اشتياق الحنين إلى فلذة كبدها الغائب عنها في متاهات الاغتراب، أو تأتي زوجة لم تغادر كفيها حمرة الحناء وحلكة سواد الخضاب الذي خلفه فرح عرسها ثم قذفت بغائبها لقمة العيش وطلب الرزق بعيدا بعيدا وراء المجهول وطيات الغياب الممعن في قسوة الفراق وعذابات المسافات البعيدة التي تعتق في النفوس قنينات الشوق ورغبات اللقاء وجذوة فراق المحبين، وربما يأتي أب نضج بياض الشعر في عارضيه ونثر وشمه غير المحبب على مفرق رأسه وتكومت سنوات العمر في انحناءة ظهره واتكأ الزمن على عصاه التي أنهكها تلمس الجدران بفعل ظلال أسدلها الكبر على رموش عينيه. كل هذه الصور الحزينة الممزوجة بالحنان والحنين كنت أنا وأمثالي من متعلمي الكتابة المبتدئين نحس رغم طفولتنا بأننا مكلفون بصياغتها تهنئات رقيقة كرقة أصحابها واشتياقاتهم إلى غائبيهم يدفعنا شيء من التباهي بأناقة العبارة وحرارة التعبير عما في تلك النفوس الظمأى إلى لقاء محبيها وعناق غائبيها الضاربين في غياهب المجهول لنحصل مقابل ذلك على دعوات صادقة من أولئك الناس المشحونة أعماقهم بالطيبة ونصاعة الإحساس المسكوبة في عباراتهم البسيطة «نهنئكم بشهر رمضان المبارك» أو «نهنئكم بالعيد السعيد أعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركات»، وبحكم تباهينا بأناقة العبارة نضيف إليها ما نضيف من رقة مشاعرنا التي تجمل عباراتنا في مسامع أولئك المشتاقين إلى أحبائهم وفلذات أكبادهم، فنكتب بذلك ثناء عطرا ودعوات صادقة تنفخ في دواخلنا غرور الكتابة والتباهي بعبارات المديح. ذاك زمن ولى مع بساطة أهله وصدق إحساسهم ومشاعرهم المشتعلة بحرارة الاشتياق وآمال اللقاء. تواردت كل هذه الخواطر في ذهني وأنا أقارن بين تلك الأزمنة الضاربة في صدق الأحاسيس ورقة المشاعر وبين ما نعيشه في زمننا هذا الذي أسميه أنا ب «زمن المشاعر المعلبة» وأنا أتلقى العديد من التهاني المتشابهة العبارات التي أمسح الواحدة منها بعد الأخرى من شاشة هاتفي المحمول التي ضاقت بتكرار عباراتها وتشابه كلماتها، وأضيق بزمن أفرغت مادياته من النفوس حميميتها ومن الأحاسيس عذابات اشتياقها اللذيذ، ورغم كل هذا أتمنى أن تكون في داخلي بقايا من صدق تلك الأيام لأقول لكم «كل عام وأنتم بخير». للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة