منذ أن اعتمدت قبل عامين في أبو ظبي، نسخة عربية لجائزة الرواية العالمية، أو جائزة البوكر، وازدادت حمى الكتابة الروائية استعارا في الوطن العربي. روائيون متقاعدون أو منسيون، نفضوا ذاكراتهم الهرمة، وجلسوا على طاولات الكتابة، كتاب صغار بلا أياد تخربش، أو أقدام تثبتهم على درب الكتابة، تورمت أحلامهم بشدة، وكتاب مثابرون، ثابروا أكثر وكتبوا، وتجد في كل يوم رواية جديدة ودار نشر جديدة، وترشيح لجائزة البوكر، ثم قلقا وانتظارا مريرين، حتى تعلن النتيجة، لتشتعل حمى أخرى، هي حمى الخسارة التي لم ترض عن قرار لجان التحكيم، وهكذا إلى أن تبدأ النسخة الجديدة. جائزة البوكر، قيمتها المادية ستون ألف دولار، وهو مبلغ ليس بالكثير إذا ما قورن بجوائز عربية أخرى، مثل جائزة العويس وجائزة الشيخ زايد التي تضخ إلى الأحلام مبالغ أكثر كثيرا من مبلغ البوكر. لكن لماذا يتسابق الناس على البوكر خاصة، ويصابون بالحمى والهستيريا؟ الأسباب كثيرة بلا شك، فجائزة البوكر، لا تشترط ماضيا حافلا بالكتابة، ولا تجربة ممتدة منذ عشرات السنين، ولا اسما رنانا أو لامعا، ولكن المفترض أنها تتعامل مع النص بحيادية تامة، باحثة عن خصوصيته وفنياته، وقد حصل المصري يوسف زيدان على الجائزة في نسختها الثانية عن رواية عزازيل، ولم يكن اسما ولا كان صاحب تجربة، لكن رأى المحكمون أن روايته تستحق الجائزة ومن ثم نالها، وأبعدت روايات أخرى ربما كانت في رأي الكثيرين أكثر وقعا وتمثيلا للرواية العربية من عزازيل. أيضا ستتاح للحاصل على الجائزة، أن يعاد طباعة نصه عدة مرات، لأن القارئ العربي ما زال تحت رحمة استفزازه بجائزة ما، حتى يسعى لقراءة الروايات، ثم تأتي فرصة أن يعبر النص الحاصل على الجائزة، إلى لغات أخرى، ويصدر عن دور نشر أوروبية محترمة، من دون وعكة أو معاناة أو انتظار لسنوات طويلة من أجل ذلك العبور. الآن نحن في حمى النسخة الثالثة، التي أغلق باب الترشيح لها منذ فترة قصيرة. استطلاعات كثيرة للرأي أجريت في وسط الكتاب، وكل يثني على نصه ويحلم أن يصطاد به البوكر الذهبية. دور نشر أعلنت عن مرشحيها، وأخرى تكتمت عليهم، كأنها تخفي أسرارا قومية، والذي يحد من تلك الحمى في النهاية، حسب رأيي، ليس النص مهما كان قويا ووارفا، وليس الكاتب مهما كان سلسا أو عبقريا، ولكن التذوق الشخصي للجنة التحكيم التي قد تسند نصا تراه يستحق أن يسند، وتطرد نصا آخر نراه نحن رابحا.