المسلمون اليوم في شأن الإصلاح والتغيير بين متضادين، حالة مسابقة تعنى بعالم الوسائل والمنتجات المادية، وحالة انبهار بعالم الأفكار والاشتغال المجرد بإعادة توليدها. والتسلسل الطبيعي للتحول هو الإنضاج في عالم الأفكار ومن ثم بعثها في عالم المنتجات المادية وهكذا تتم في اتساق وتوازن لا انفصال حديا ولا مسابقة، فالأولوية دائما تبدأ من عالم الأفكار وتنتهي بالوسائل، وهو التوصيف الطبيعي لمنتجات الغرب المادية اليوم، والتي تمر بهذه المراحل وتصل إلينا وقد أخذت مداها لكننا نتلقفها بطريقة الهرم المقلوب، فهي تقدم لنا كمنتج مادي نبدأ باستعماله ومن ثم تأتي محاولات خجولة لتفكيكه ومعرفة مدى مناسبته بعد أن أصبح اضطرارا لا اختيارا، وما إن تبرز نتيجة معتبرة في التعاطي معه حتى تكون الوسيلة قد استحكمت وباتت جزءا من حياتنا! ظني أن لدينا إشكالية حقيقية في عدم وجود بيئة تتيح للأفكار الجادة التحرك والمصادمة والتوليد والانتشار، بينما نغرق كمجتمع في التعامل مع المحسوس المعلب!. الأمم التي ترنو للتغيير تولي الفكر وصناعة التفكير أهمية كبيرة، عالم الأفكار هو العالم الذي تتلاقح فيه الصور الذهنية والمنظومات الإبداعية والقفزات الحضارية، وهو عالم تجسده خلايا التفكير الممتدة في العالم الغربي وعلى أساسها يتم وضع مسافات للانتقال بين واقع ومستقبل حضاري جديد. في فترات سابقة انحصرت مجالات الدعوة في الميدان الإيماني المهم ولكنها عجزت عن أن تسهم في التأسيس لهذه البنية الفكرية التي يقودها المفكرون ولهذا تعثرت مشاريعها الدعوية حين فوجئت بسيل المشاريع والوسائل الغربية فحطمت كثيرا من التراكمات التي حاولنا بناءها وأصبحنا في محاولات يائسة لسد الثغرات. وحدها المؤسسات الفكرية بعد توفيق الله عز وجل قادرة على مواجهة تلك المؤسسات والأفكار، ووحدها القادرة على توليد الوسائل والمشاريع، ووحدها القادرة على فرز المنتجات الوافدة إلينا لنتفاعل معها بشكل واع كما تفاعل الرجل الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الدواوين وفتح بها بوابة التنظيم للدولة المدنية في الإسلام. نحن بحاجة لمراكز دراسات وبحوث متطورة يؤسسها المجتمع المدني وعلى رأسها القطاع الدعوي، نحن بحاجة لأن ينصب جهدنا الدعوي النوعي في التأسيس للكيف على حساب الكم، وفي إعداد العقول الشابة واحتضانها وبثها في المجتمع حتى تكبر الزهور المسلمة في بستان الإصلاح الكبير وجسر هذا القطاف وأول غيثه رفد مؤسسات البحث ومنتديات التفكير بالمال والعقول وتتويج الخطاب الديني بالتأصيل الشرعي لقيمة البحث ومعاني التفكير وجهاد المعرفة في سبيل الله حتى يهب الشباب لميدان إعمال العقل فيسابقون فيسبقون. كاتب وإعلامي سعودي [email protected]