العملية الإجرامية التي استهدفت الأمير محمد بن نايف أثبتت قوة وتلاحم أبناء الشعب الذين وقفوا على اختلاف مناهجهم الفكرية صفا واحدا ضد تلك العملية بل وضد كل أنواع الإرهاب الذي يعاني منه مجتمعنا. تحدث الكثيرون عن تلك العملية، ومازال الحديث متواصلا، ولعل بشاعة تلك الجريمة وظروفها ساهمت في استنطاق الكثيرين حولها بصفة خاصة وحول ظاهرة الإرهاب بصفة عامة. الحديث عن ظاهرة الإرهاب، وعن الأمن الفكري تناولها المؤتمر الذي عقدته جامعة الملك سعود من أجل بحث هذه الظاهرة، وتحدثت عنه الأبحاث التي طرحت بكثير من التحليل، وأتمنى من الإخوة المهتمين بهذه الظاهرة الاطلاع على تلك الأبحاث. وأعرف أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تعمل على بلورة مؤتمر يتعرض لهذه الظاهرة ومظاهرها وطرق التعامل معها، ولأن الجامعة عرفت بدقة منهجها ووضوحه، كما عرفت باستقطاب الكفاءات المتخصصة للحديث في مؤتمراتها، فلعل المهتمين بظاهرة التطرف ودوافعه أن يستفيدوا أيضا من ذلك المؤتمر بالمشاركة والاطلاع نظرا لأن ظاهرة التطرف والإرهاب أساءت لكل واحد منا في دينه ووطنه وأمنه. أعود إلى الحادثة الإجرامية التي تعرض لها الأمير محمد والتي أنجاه الله منها بفضله وكرمه، هذه الحادثة تناولها البعض بصورة ساذجة عندما تحدثوا عن ما يجب على الوزارة أن تفعله إزاء تلك الظاهرة وكيف يجب أن تعامل فاعليها! أقول: وجد هؤلاء في تلك العملية فرصة ليعودوا إلى بث أفكارهم التي باتت واضحة مكشوفة لم تعد تنطلي على أحد! قالوا: إن المناهج الدينية هي وراء هذا الفكر الضال! وأضافوا: لابد من إعادة النظر في هذه المناهج وبأقصى سرعة لكي يزول الإرهاب! كنت أتمنى أن يقولوا بوضوح شديد: ما هي الأشياء التي يجب أن تغير؟ ولماذا؟ وعلى أي أساس علمي طالبوا بذلك التغيير! ليس هناك ما يمنع من مراجعة كل المناهج، بل وأعرف أننا بحاجة ماسة لمراجعة مناهجنا ومخرجاتها ولكن على أسس سليمة لا تناقض ديننا. وقالوا: يجب ملاحقة من يغذون هذا الفكر واستئصالهم وبدون رحمة! لكنهم لم يقولوا ما هي مواصفات هؤلاء، وكيف نعرفهم، وهل المواصفات التي وضعوها لهم محل اتفاق من الأغلبية إن لم يكن من الجميع! أعرف أنهم لن يقولوا لسبب بسيط جدا لأن مواصفات الإرهاب والتطرف وكل الكلمات التي في حكمها تخضع للفكر العقدي الذي يؤمن به الإنسان وقد يؤمن هؤلاء بما لا تؤمن به الغالبية في مجتمعنا. وقالوا: يجب عدم التسامح مطلقا مع المطلوبين ومن في حكمهم لأن التسامح أثبت عدم جدواه! وأقول: هذا الكلام هو ما تتمناه القاعدة، بل وكل المتطرفين لأنه سيقود إلى مزيد من التطرف والكراهية للدولة ومؤسساتها! إن المتطرف إذا سدت كل الأبواب في وجهه فلن يجد أمامه إلا باب الإرهاب لأنه الوحيد الذي تبقى له، وهنا سيمارس إرهابه بكل قوة، لكنه إن وجد بابا آخر هو باب التسامح فهناك احتمال كبير أن يدخل من هذا الباب. ولعل الذين ينادون بالقسوة لم يقرأوا حديث الرجل الذي قتل 99 شخصا ثم لما أراد أن يتوب سأل داعية عن قبول الله لتوبته فأفتاه بأن الله لن يقبلها، فلما رأى أن باب «التسامح» قد سد أمامه لجأ إلى باب الإرهاب فقتله فأصبح مجموع قتلاه مائة قتيل، ثم عزم ثانية على التوبة فسأل عالما فقال له: إن باب الله مفتوح لكل تائب فعزم على التوبة الصادقة وهكذا كان. سمو الأمير نايف وفقه الله ورعاه كان أعرف بعمله ونتائجه من كل هؤلاء الذين طالبوه بالقسوة وعدم التسامح مع الإرهابيين أو طالبي العفو المتراجعين عن أفكارهم الفاسدة، وكذلك كان سمو الأمير محمد بن نايف وفقه الله. كان فهم الإسلام وتسامحه مع كل «الضالين» وراء هذا السلوك الذي استمعناه من الأميرين، فالإسلام كما نعرف يجب ما قبله، أي «الكفر» وليس هناك أسوأ من الكفر، فإذا كان الأمر كذلك فإن الإسلام يأمرنا أن نتسامح مع كل المخالفين ما لم يرتكبوا جناية، فإن فعلوا فإن القضاء هو الذي ينظر في جنايتهم ويحكم عليهم بمقتضاها. الأمير نايف وفقه الله قالها بوضوح: أبوابنا مفتوحة لكل التائبين ولن نغير مناهجنا معهم. كان من المفترض أن يكون الأمير نايف أشد نقمة عليهم من كل من طالبه بالتشدد معهم لأن المستهدف هو ابنه، وكان من المفترض أن ينظر الأمير محمد إلى هؤلاء نظرة الأعداء لأنهم استهدفوه وبصورة بشعة وحقيرة، لكن الأميرين كانوا كبارا وكانت مصلحة الوطن العليا هي التي تحدد طريقة تعاطيهم مع هذه القضية ومع القضايا الأخرى، وكان كلامهما في غاية الوضوح والإتقان: أبوابنا لا تزال مفتوحة لكل تائب، وسيعامل معاملة حسنة، وإن على أبنائنا أن لا تخدعهم الأضاليل التي يروج لها البعض. حادثة واحدة، بل وعشرات من الحوادث لا يمكن أن تؤثر في دولة راسخة الأركان. وحادثة بل مئات مثلها لا يمكن أن تغير المنهج الإسلامي الذي تسير عليه بلادنا. وأقول لكل الذين استغلوا هذه الحادثة لترويج أفكارهم: تمهلوا وفكروا بكل ما تقولون، وإن وزير الداخلية ومساعده أعرف بطبيعة عملهما منكم، وإن الحوادث الصغيرة لا تهز الكبار!. * أكاديمي وكاتب للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 213 مسافة ثم الرسالة