لن يكون توديع رمضان حدثا عاديا كما لم يكن استقباله كذلك، وطريقتنا في توديع آخر لحظات الشهر ستعكس مقدار تعايشنا معه وعيشنا فيه. فالتوديع تحديد موقف واضح، كلنا سيودع شهره الفضيل بحسب ما كان عليه فيه، فمنا من سيودعه ب : - التأسف والندم؛ فكلما اقترب الشهر من طوي صفحته زاد من شعوره بالتفريط وأن لابد أن يستدرك ما بقي كي لا يفوته ما فاته فيما قضى. - الاستحياء من الله؛ فكلما اقترب الشهر من طوي صفحته زاد شعوره بالخجل وذلك عند استحضار ما كان فيه من تقصير. - التعظيم والرهبة؛ فكلما اقترب الشهر من طوي صفحة زاد الشعور بالتضاؤل أمام جلال الله وهيبة العشر الأخيرة وما انطوت عليه من جلال وأجور. - الدهشة والتحير؛ فكلما اقترب الشهر من طوي صفحته زاد شعوره باستحضار النعم والآلاء والفتوح التي تتابعت من الله عليه طيلة الشهر وهو يرى نفسه ليس بأهل لها. ومن الجميل القول بأن جميع الأصناف الأربعة الفائتة تجتمع في منزلة كبرى هي ( منزلة الحياء ) لأن الحياء كما عرفه بعض العلماء: ( هو الذي يتولد من رؤية الآلاء النعم مع رؤية التقصير أي: في الأداء ). ولماذا الحياء بالذات ؟ لأنه من أفضل ما يستعان به على الثبات والمواصلة بعد رمضان، وذلك أن من أكبر ثمرات الحياء: ( أنه يرد صاحبه عن مواقعة السوء قل أم كثر ) .. وعليه .. فأي حياء نحتاج ؟ للحياء مراتب عدها العلماء أربعا: - المرتبة الأولى: حياء التقصير، مثل حياء الملائكة عليهم السلام حين يقولون ( ما عبدناك حق عبادتك ). - المرتبة الثانية: حياء المحبة، وذلك بكثرة التشوق إلى ما عهدته من نفسك طيلة الشهر من بر و ود وصلة وتقرب وحالات صفا. - المرتبة الثالثة: حياء العبودية، بأن تستشعر عظم حقه عليك . - المرتبة الرابعة: حياء المرء من نفسه، حيث لا يرضى بالقليل بعد الذي ذاقه من لذة العمل الكثير وحلاوته، ولا يرضى لنفسه بالتدنس بعد أن شرفت وطهرت ، ورآه الله في أتم حالة نقاء. تذكير .. قال بعض العلماء في فلسفة الحياء: ( إن حياء من العبد يقابل حياء من الرب ) ، ذلك أن من استحيا من الله عند معصيته استحيا الله منه عند عقوبته .. فلنستح .