تعود الذاكرة بكبار السن إلى رمضان زمان، فيهيج بهم الحنين إلى الأيام الخوالي وهم يرون حجم التحولات الكبيرة التي حدثت في الأعوام الأخيرة. هنا مجموعة من كبار السن يستعيدون ذكرى تلك الأيام: إفطار جماعي عبدالله الحمر (60 عاما) يقول : كنا نستقبل شهر رمضان بكل فرح وسرور أولا لأنه شهر عبادة وخير، وثانيا لأنه يجمع الناس ببعض، حيث كنا نجتمع في مكان واحد كل ثمانية أو تسعة من ساكني بيوت الشعر والخيام في البادية، كنا نجتمع في البيت الذي توجد فيه القهوة العربية، ونادرا ما نجد القهوة في كل بيت كما هو الحال الآن، وكل واحد يأتي بالموجود من الطعام، فالبعض يأتي بتمر والآخر بالمضير وحليب الإبل، ونجتمع سويا لنتناول الإفطار، لم نكن نعرف الشوربة والعصائر ولا هذه الخيرات إلا في السنوات الأخيرة، مضيفا على الرغم من قلة الزاد، إلا أن الشخص كان دائما في صحة ونشاط على عكس حال بعض شبابنا اليوم، كانت الألفة والمحبة بين الناس أكثر من وقتنا الحاضر، وكنا نتقاسم لقمة الزاد ونعيش على الفطرة، ولا نعرف التلفاز ولا المسلسلات، وبعد صلاة التراويح نأوي لمضاجعنا حتى وقت السحر، ومن ثم يبدأ كل في شغله حتى وقت الإفطار، أما معظم الشباب الآن عكس ما كنا عليه، يسهرون الليل وينامون النهار حتى الإفطار. مدفع رمضان ويقول عبدالله إسماعيل (50 عاما) ارتبطنا بالمدفع الرمضاني منذ زمن طويل، فقد كان في السابق هو النداء الأول الذي نسمعه، نظرا لعدم دخول الكهرباء إلى معظم المنازل، وعدم وجود مكبرات صوت في المساجد، فكنا ننتظر صوت المدفع الذي يدخل السرور إلى قلوبنا، ما زاد من تعلقنا به حتى أننا أحيانا نذهب لمشاهدته أثناء إشعال فتيله ومتابعته عن قرب، وظل يعمل إلى وقت قريب، إلا أنني استغرب الآن سر ابتعاده، فقد كان يمثل مظهرا رمضانيا رائعا، وأتمنى من المعنيين إعادته إلى سابق عهده حتى يشاهده أبناؤنا ويتعرفوا على حقبة تاريخية عشناها معه طيلة أيام وليالي الشهر الفضيل. ويتذكر نبيل سليمان (50 عاما) كنا في السابق ونحن أطفال صغار نأخذ إفطارنا ونتجه حيث يوجد المدفع الرمضاني، ونتجمع مع أبناء الحي في مشهد اجتماعي بديع، وأعيننا ترقب عامل المدفع إيذانا بقرب الإعلان عن موعد الإفطار، ونحن جالسون على مائدة شهية في الهواء الطلق نتجاذب أطراف الحديث، في جو أخوي ننتظر خلاله (دوّي) المدفع وبعد أن نسمع ذلك الصوت القوي نطلق صرخاتنا ابتهاجا بإتمام صيامنا، بعدها يرفع أحدنا آذان المغرب، ونتناول إفطارنا ونحن نتأمل سحابة الدخان التي خلفها إطلاق المدفع وهي تعانق الشفق الأحمر منتشين بعبق روحاني أخاذ. تواصل وتراحم جمعة البارقي (52 عاما) يقول: كان أغلبنا أميين لا نقرأ ولا نكتب وكنا نعرف دخول الشهر من خلال رؤية الهلال لا أخبار تصلنا ولا إذاعة، وفي صلاة التراويح كنا نجتمع في مكان واحد ، وكل عدة بيوت من الشعر يعدون مكانا متوسطا بينها للصلاة حيث يؤدون الصلاة جماعة وقلوبهم خالية من الحسد، كان للحياة طعم ومذاق، ورمضان يجسد التواصل والتراحم بين الناس ونبذ الخلافات، وفي الليل نتسامر على ضوء القمر ونستعيد سيرة الأبطال وشيوخ القبائل وننشد الأشعار، ونحث أبناءنا على فعل الخيرات واحترام الكبير، أما الآن أصبحت المجالس مزعجة والكبير فيها مثل الصغير.