تعيش أسرة هادي قاسم العبدلي الفيفي منذ فترة طويلة في العاصمة الرياض، وقبل أعوام قليلة عاد هادي مع أسرته إلى مسقط رأسه في العبدلي في فيفاء في منطقة جازان، ليسكن مع أسرته وولديه في منزلهم المتواضع، وقد اضطر رغم كبر سنه للعمل كسائق في نقل المعلمات والطالبات حتى يعول أسرته، بعد أعوام قضاها في هذه المهنة، أعياه المرض وأقعده عن العمل ليعتمد بعد ذلك على ما يتقاضاه من الضمان الاجتماعي في تأمين لقمة العيش لأسرته. وعندما أراد ولده الأكبر يحيى المجني عليه مواصلة الكفاح وتحمل مسؤولية الأسرة اصطدم بعدم وجود فرص عمل، فاضطره ذلك للسفر والبحث عن عمل يعول منه أسرته، وفي الرياض العاصمة بعد عناء حصل على فرصة عمل وبعد أن تمكن من استئجار شقة، اصطحب أسرته من فيفاء لتعيش معه في الرياض حتى يتمكن من رعايتهم ومتابعة الحالة الصحية لوالده المريض، الذي عهد بمسؤولية الأسرة في فيفاء إلى ولده الأصغر ناصر «الجاني». ولعدم وجود مصدر دخل له، ترك له والده بطاقة الضمان ليسحب راتبه كل شهر. وحسب الجيران كان ناصر الجاني يعاني من مرض نفسي ولديه ملف في العيادة النفسية في المستشفى العام في فيفاء، وكان لا يغادر المنزل إلا ليلا لشراء ما يحتاجه وبعدها يختفي عن الأنظار، طوال مدة بقائه وحيدا في منزل الأسرة في فيفاء. وبعد عامين قدم الشقيق الأكبر يحيى من الرياض لفيفاء لزيارة شقيقه الأصغر في محاولة لاصطحابه معه إلى الرياض وعلاجه من المرض النفسي الذي يعاني منه، وحتى يجمع شمل الأسرة ونزولا عند رغبة والده الذي كان يتمنى لقاء ولده الأصغر ناصر، وبعد بذل عدة محاولات لإقناع ناصر بالسفر إلى الرياض لكنها باءت جميعها بالفشل، وكوسيلة ضغط أخيرة طلب يحيى من شقيقه ناصر أن يسلمه بطاقة ضمان والده التي كانت بحوزته، ولكنه رفض تسليمه إياها بحجة أن والده هو من أعطاه البطاقة. وبينما كان الشقيقان يهمان بتناول العشاء وحدهما في إحدى الغرف السفلية من منزل والدهما، ترك ناصر العشاء وخرج من الغرفة وصعد إلى إحدى الغرف في الدور الثاني، ونزل حاملا بندقية رشاش آلي ليداهم شقيقه يحيى الذي كان ينتظره في الغرفة السفلية من المنزل بسبع طلقات نافذة أصابته إحداها في الرأس وتوزعت البقية على أجزاء متفرقة من جسمه، وبعدها أغلق الغرفة وأطفأ جميع الأنوار واتصل على أسرته في الرياض، ليخبرهم أن أخاه أصاب نفسه بطلقة، بينما هو ينظف أحد الأسلحة، وبقي ناصر في المنزل إلى ما بعد منتصف الليل، حيث شوهد متجها لتسليم نفسه إلى شرطة فيفاء. وبعدها تحرك أفراد مركز شرطة فيفاء يرافقهم عم الجاني والمجني عليه إلى مكان الجريمة وتم العثور على القتيل في الغرفه المغلقة وقد فارق الحياة، وتم نقل الجثة فجرا من منزل الأسرة إلى مستشفى فيفاء العام بعد معاينتها من لأدلة الجنائية. وقال المتحدث الأمني في شرطة منطقة جازان المقدم عوض القحطاني إن الجاني ناصر اعترف بقتل شقيقه الأكبر يحيى بسبب مطالبة المجني عليه أخاه بتسليم بطاقة ضمان والده التي كانت بحوزته، وصدقت أقواله، فيما حضر باقي أفراد الأسرة من الرياض وصدقوا تنازلهم عن ولدهم ناصر في قتله شقيقه يحيى في محكمة فيفاء. ثم عادوا إلى الرياض بعد أن كلفوا عم الجاني والضحية بمتابعة القضية. إلى ذلك أعرب شيخ شمل قبائل فيفا علي بن حسن الفيفي عن أسفه الشديد لحدوث هذه الجريمة قائلا: إن هذه الجريمة غريبة على أبناء فيفا، الذين تربط بينهم أواصر المحبة والإخاء. وعلق عضو هيئة التدريس في جامعة الطائف الدكتور سلمان جابر العبدلي أحد أقارب الشقيقين أن هذه الحادثة ليست مفصولة عن الواقع الاجتماعي، بل هي أثر من آثاره الضاغطة وبقدر ما أحدثت من هزة اجتماعية وأسرية عنيفة، فإنها تعطي مؤشرا خطيرا على أخطاء التربية العامة على كافة مستوياتها، لدرجة أننا أصبحنا في كل يوم نقرأ أخبارا مفجعة عن مجتمعنا تتنافى مع ثقافتنا الإسلامية والاجتماعية، فنسمع عمن يقتل أباه أو يحرق أمه أو أبناءه أو يقتل أخاه أو حتى نفسه، وتمر علينا مرور الكرام، بحيث لا نتعامل معها تعاملا عقلانيا هادئا، بل إننا ننظر إليها وكأنها جريمة جنائية اعتيادية، علما بأنها تدل على خلل عميق وشرخ اجتماعي خطير وهوة بين جيل الشباب وبين المجتمع بكافة أطيافه.