يوجد في مدينة جدة (54) حيا عشوائيا تشكلت في غفلة من الزمن والنظام؛ لتمثل وجها مشوها لمعطيات العصر الحديث، ومسخا سيئا لواقع المسيرة التنموية في البلاد، شكلت عائقا كؤودا أمام حركة البناء والنماء، ومعطلا بارزا لجهود بناء الإنسان وتنمية المكان. بيوت شعبية متهالكة، وأبنية عتيقة متآكلة آيلة للانهيار والسقوط على رؤوس ساكنيها، و«أزقة» ضيقة مخنوقة لا تكاد تستوعب المارة .. ناهيك عن سيارة الإسعاف أو المطافئ أو الأمن. ولطبيعتها العشوائية تعثرت فيها مشاريع الخدمات الأساسية من تعليم وصحة ومياه وصرف صحي وغيرها، وفي الوقت ذاته زادت فيها الأخطار البيئية المختلفة، وتحول بعضها إلى بؤر للفساد والمخدرات والرذيلة، وأصبحت مراتع خصبة للجريمة، ومواقع استقطاب للعمالة والممارسة غير النظامية. هذا هو واقع الأحياء العشوائية في مدينة جدة وكذلك في مكةالمكرمة .. تشكل خطرا داهما على المجتمع. ولهذا فلقد حظي مشروع إزالة الأحياء العشوائية واستبدالها بمراكز حضارية عصرية بتأييد الرأي العام وترحيب الأهالي، فهذا المشروع يمثل انتفاضة حضارية تحقق هدف تشييد وجه حضاري مضيء مكان الوجه المشوه الذي لطالما حلمنا برحيله. واتسعت دائرة التفاؤل بهذه المشاريع الكبرى بعد أن كشف عن مضامينها التي حملت جوانب مشرقة تصب في صالح الوطن والمواطن، حيث جاءت في شكل مشروع حضاري شامل ومتكامل لتنمية الإنسان والمكان معا. ذلك أن المشروع تضمن ثلاثة خيارات أمام سكان الأحياء العشوائية السعوديين، وهي: الإسهام بقيمة عقاراتهم في المشروع فيصبحوا ملاكا له، التعويض المالي، أو توفير سكن بديل في ضواح عصرية ينعمون فيها بالعيش الكريم. بل حتى أولئك الذين لا يملكون صكوكا صدر أمر ملكي كريم بتعويضهم بعد جهود حثيثة ومباركة من سمو الأمير خالد الفيصل .. حيث سيتم إصدار صكوك لمن لا يملكون صكوكا شرعية وفق آلية محددة لهذا الغرض. والأكثر من هذا سوف تؤمن المدارس لأبنائهم، والخدمات الصحية لهم ولأبنائهم .. إلى جانب جميع الخدمات الأساسية الأخرى. وفوق هذا فإن المشروع تضمن توفير فرص التدريب والتوظيف لهم لتأمين مصدر رزق لمعيشتهم ضمانا لتوفير حياة كريمة لهم .. سكنا وتعليما وصحة وعملا. ليس ذلك فحسب .. بل إن أصحاب المحلات التجارية الحالية ستكون لهم الأولوية في المشروع الجديد. أما بالنسبة لغير السعوديين من سكان الأحياء العشوائية .. فإن المشروع سوف يصحح أوضاعهم بإقامات نظامية إلى جانب مساعدتهم للحياة الكريمة وفق أنظمة الدولة. ولقد أكد سمو الأمير خالد الفيصل على أن سكان الأحياء العشوائية سوف يحصلون على كامل حقوقهم ولن يظلم أحد في تنفيذ هذا المشروع الكبير بإذن الله تعالى. وبذا يتضح أن المشروع تنموي حضاري يتجاوز حدود الإزالة للعشوائيات إلى المفهوم الشمولي لتنمية الإنسان وتطوير المكان، بما ينسجم ويحقق أهداف استراتيجية تنمية منطقة مكةالمكرمة التي أطلقها رائد الفكر والتنمية الأمير خالد الفيصل العام الماضي. ولم يترك المشروع أدق التفاصيل، ومن ذلك هوية المشروع الجديد (المراكز الحضارية التي سيتم إنشاؤها) حيث أكد سمو الأمير خالد الفيصل على ضرورة أن تكون هوية المشروع منبثقة من هوية مدينة جدة ببحرها وبيوتها ورواشينها وإرثها التاريخي. إنه بحق مشروع يستهدف تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع وإحداث نقلة حضارية على جميع المستويات .. إنسانيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا وصحيا وتعليميا. وإذا عجز «القلة» عن استيعاب مفهوم هذا المشروع الحضاري واستشراف أبعاده المستقبلية .. فإنهم سيدركون يوما خطأ التقدير ومحدودية الرؤية بعد رؤية النقلة الحضارية الكبرى. وباختصار أقول .. إن هذا المشروع هو «الحلم الجميل» لمدينة جدة الحالمة .. هو حقبة جديدة ومرحلة تاريخية من التنمية ..بل هو بشموليته للإنسان والمكان يعد نموذجا يحتذى على المستوى العالمي. وأخيرا .. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يجزي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وجميع من يسهم في تحويل هذا الحلم إلى حقيقة معاشة بإذن الله تعالى. وعلينا جميعا كل في موقعه واجب دعم هذا المشروع لما فيه خير الوطن وإنسانه.