اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، ليس خطوة نحو وقف نزيف الحرب، كما يتم تناوله، بل هو نقطة التحوّل المفصلية في المشهد اللبناني والإقليمي، وعبره سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة تعيد رسم معادلات القوة والتوازنات السياسية في المنطقة. الاتفاق وفقاً لبنوده ال13 يشير إلى تحول نوعي في طبيعة الصراع، وربما أكثر من ذلك إلى تغيير جذري في «قواعد اللعبة» في المرحلة القادمة، بعدما كان الحديث في فترة الصراع عن «قواعد اشتباك»، بما يعكس تغيراً عميقاً في الاستراتيجيات الإقليمية والدولية. الدور الأمريكي في إنجاز الاتفاق في هذا السياق، ومع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالاتفاق وانعكاساته السياسية والعسكرية، إضافة إلى حسابات المكاسب والخسائر لدى مختلف الأطراف، تورد «عكاظ» الملاحظات والاستنتاجات التالية: أولاً: لا بد من الإشارة إلى الدور أو التدخل الأمريكي الحاسم في إنجاز هذا الاتفاق، وذلك، نتيجة تقاطع محدد بين إدارة بايدن وفريق ترمب، واستناداً إلى قرار مشترك اتخذه الرئيسان في البيت الأبيض وعلى طاولتهما ملف إنهاء حرب إسرائيل في لبنان. وهذا ما أعطى قوة دفع للموفد الأمريكي أموس هوكشتاين الذي حمل تفويضاً من بايدن الذي أراد أن ينهي ولايته بإنجاز كان متيسراً وجدياً في لبنان على عكس ما كان في غزة، «متعذراً». وتفويضاً من ترمب الذي يعمل للوصول إلى البيت الأبيض في ظل جو شرق أوسطي «صفر حروب»، لأن أولوياته في مكان آخر، الحرب الروسية-الأوكرانية، الحرب التجارية مع الصين، والملف النووي. ثانياً: إن هذا الاتفاق لم يكن لينجز أو يمر في لبنان، ولم يحصل المفاوضان نجيب ميقاتي ونبيه بري على الضوء الأخضر أو التفويض للمفاوضة من قبل حزب الله وحلفائه، الذين أدركوا أنهم في لحظة حرجة وباتوا مرغمين على الخروج من خيار الحرب إلى خيار الدبلوماسية وتليين الموقف والانفتاح والاستعداد للدخول في مفاوضات والوصول إلى اتفاقيات جديدة لأسباب عديدة (الخسائر ضمنها)، فما هو مقبل ليس في ميزان هذا المحور. ثالثاً: إسرائيل لم تكن لتوافق وتنتقل من خيار الحرب إلى خيار الاتفاق، لو لم تحصل على ضمانات أمريكية حاسمة، فالمفاوضات التي جرت في واشنطن وتولاها وزير الشؤون الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية رون دريمر، كانت أهم من المفاوضات التي حصلت في بيروت، والاتفاق الإسرائيلي الأمريكي أهم من اتفاق إسرائيل مع لبنان، وذلك لأنه أعطى إسرائيل ما أرادته لجهة ضمان حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في لبنان، وهذا ما نص عليه الاتفاق في البند الرابع تحت صيغة، حق لبنان وإسرائيل في ممارسة الدفاع عن النفس، أو لجهة وجود آلية تطبيقية حازمة للاتفاق تحت إشراف لجنة مراقبة برئاسة أمريكية، والتي ستضمن تنفيذ الاتفاق كاملاً وليس كما حصل بعد حرب تموز 2006 مع القرار 1701 الذي لم يُطبق. وأبرز ما ينص عليه القرار 1701: نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان (أي حزب الله). حسابات المكاسب والخسائر إسرائيل ربحت في هذه الحرب بالنقاط وليس بالضربة القاضية. ربحت خلال تسديدها ضربات موجعة وقوية لحزب الله واغتالت كل قادة الصف الأول، ووحدات النخبة وعدد كبير من كوادره ومقاتليه، ودمرت خطوطه ودفاعاته الأمامية، وهجرت بيئته ودمرت مناطقه على نطاق واسع في الجنوب والضاحية والبقاع، إلا أنها لم تتوصل إلى إزالة خطره المستقبلي كما تقول في حال تغيرت المعطيات وتوقف العمل بالاتفاق. كما لم تتوصل إسرائيل بعد إلى تحقيق هدفها الأول، وهو إعادة سكان الشمال. فهذا الاتفاق يعارضه سكان المستوطنات الشمالية ولا يرون فيه ضمانة كافية للعودة رغم أنه يُبعد حزب الله عن الحدود. أما حزب الله فقد خسر في الحرب كثيراً بحيث إن هذه الحرب أضعفته وأنهكت قواه وردته سنوات إلى الوراء. حزب الله الذي يتحدث منذ بدء سريان وقف إطلاق النار بلغة المنتصر سيدرك في مقبل الأيام حجم وهول ما أصابه، لكنه في هذه اللحظات غير مستعد بعد للاعتراف بالخسارة، والمقبل من الأيام سيكشف أنه لم يضعف فقط على مستوى الصراع مع إسرائيل، وإنما أيضا على مستوى الداخل اللبناني. فالبند السابع من الاتفاق ومندرجاته (أ - ب- ج) ينص على منح السلطة اللبنانية حرية الحركة لقواتها العسكرية لمنع دخول وإنتاج الأسلحة وتفكيك المنشآت ذات الصلة إضافة إلى تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة السلاح الذي يتعارض مع الالتزام بالقرار الدولي. فهل اطلع حزب الله جيداً على هذا البند، صحيح أنه ما زال موجوداً ويستطيع أن يقول إنه صمد ولم يسقط، ولكنه لا يستطيع أن يقول إنه انتصر ويرفع شارة النصر على الركام. النتائج على المستويين الإقليمي والداخلي: النتيجة الأولية لاتفاق وقف النار على المستوى الإقليمي: الفصل بين غزةولبنان وبين حماس وحزب الله، وتفكيك الساحات و«تعطيل» مفاعيل حزب الله. أما النتيجة الأولية لهذا الاتفاق على المستوى اللبناني، فإنها تظهر في اتجاهين: الأول ميداني مع تحول الجيش اللبناني إلى لاعب أساسي على الأرض ليس في الجنوب وحسب، وإنما في كل لبنان. والاتجاه الثاني سياسي، والذي سيفتح الملف الرئاسي على مصراعيه والدخول في مرحلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد الفراغ الطويل.