رغم كل ما حدث في لبنان من حروب سابقة كان النزوح يتم في داخل حدوده، للمرة الأولى تتدفق أعداد كبيرة من النازحين اللبنانيين إلى دولة أخرى، وبذلك ينضم لبنان إلى قائمة الدول التي اضطرت مواطنيها إلى البحث عن فرصة البقاء على قيد الحياة خارج أوطانها. هنا تتشكل حلقة جديدة في مسلسل خلخلة الديموغرافيا العربية بتفريغ الأوطان من مواطنيها وتحويلها إلى ساحات نزاعات وحروب تمهيداً لما هو أخطر مستقبلاً. بعد إسقاط العراق وإشعاله وتحويله إلى وطن غير آمن في 2003 نزح ملايين العراقيين إلى دول الجوار وخارجها. جاءت عاصفة الخريف العربي بدمارها الشامل لتُجبر ملايين السوريين والليبيين واليمنيين على الفرار من بلدانهم. اندلعت الحرب الداخلية في السودان فأجبرت الملايين على الهرب من جحيمها. أصبحت مصر تعج بملايين النازحين، وكذلك الأردن، ولبنان قبل الأزمة الأخيرة، هذا بخلاف الذين رحلوا باتجاه المجهول إلى دول غير عربية، فيما يشبه أكبر وأخطر عملية تهجير إجباري لشعوب عربية عديدة، لم يشهدها العالم العربي رغم كل ما مر به من كوارث سابقة. ما يحدث قد يكون بداية لإعادة تشكيل ديموغرافي جديد لبعض أجزاء العالم العربي كما حدث لشعوب ومجتمعات أخرى عبر التأريخ، ودعونا لا نُغفل أحلام إسرائيل بالتوسع، وهي الدولة الوحيدة التي لم تضع لها حدود رسمية، وما زال الطيف السياسي فيها بكل درجاته يردد مقولة من النهر إلى البحر، بل ما هو أوسع من ذلك. وهناك بعض التلميحات التي قد تمر دون التوقف عندها والانتباه الجاد لها، ومنها ما قاله المرشح الرئاسي والرئيس السابق دونالد ترمب قبل فترة قصيرة بأنه لاحظ أن مساحة إسرائيل صغيرة على الخارطة، ما يعني أنه لا بد من توسيعها، وحين يلتقي الطموح الإسرائيلي مع الدعم الأمريكي والغربي فإن الخطر ليس متوهماً بل حقيقي. وأمام هذا الواقع، لا بد لأقطاب السياسة ونخبها وأحزابها في الدول العربية التي أصيبت بالهشاشة نتيجة النزاعات الداخلية المبنية على المصالح الضيقة على حساب المصلحة الوطنية، لا بد لهم أن يتنبهوا للخطر الوجودي الذي يحيق بأوطانهم.