أكد رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام «أن لبنان، وانطلاقاً من حرصه على دعم الشرعية الدستورية في اليمن، وعلى الإجماع العربي ووحدة جميع البلدان العربية واستقرارها، يعلن تأييده أي موقفٍ عربيٍ يحفظ سيادة اليمن ووحدة أراضيه وتماسك نسيجه الاجتماعي». وقال في كلمة له في الجلسة الافتتاحية للدورة 26 للقمة العربية في شرم الشيخ: «يسرنا أن ينعقد هذا اللقاء العربي الشامل اليوم على أرض مصر، التي تخوض تحدياتٍ صعبةً، من أجل إكمال متطلبات التحول الديموقراطي الذي أراده الشعب المصري، ورفع مستوى الاقتصاد الوطني، وجبه الأخطار الأمنية التي تتعرض لها البلاد على أيدي قوى التطرف والظلام». وتوجه «بتحية تقديرٍ إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يتولى دفة القيادة في واحدةٍ من أدق المراحل في تاريخ مصر»، متمنياً له «التوفيق في المهمات الجليلة التي يتولاها باقتدارٍ وحكمة، معتمداً على إرادة الشعب المصري وتصميمه، وعلى كبارٍ من العرب حسموا خيارهم بالوقوف إلى جانب مصر، ومساعدتها على تخطي عثرات المرحلة الانتقالية، التي أعقبت ثورة 25 يناير (كانون الثاني)». اضاف: «بمقدار ما يشرفني أن أجلس خلف علم بلادي لأخاطبكم باسم لبنان وشعبه، يحزنني ألا أكون هنا بمعية رئيس الجمهورية اللبنانية، الذي مازال مقعده شاغراً منذ قرابة عشرة أشهرٍ، بسبب خلافات القوى السياسية»، لافتا إلى أن «التأخير المتمادي في انتخاب رئيسٍ، أدى إلى تعثر عمل مؤسساتنا السياسية، وانعكس سلباً على دورتنا الاقتصادية. ونحن نتطلع إلى نجاح الحوار القائم بين الأطراف السياسية، الذي أشاع أجواء إيجابيةً في البلاد، في خلق المناخ المؤاتي لإنجاز هذا الاستحقاق الدستوري البالغ الأهمية، ليكون في مقعد لبنان في القمة العربية المقبلة رئيس الجمهورية اللبنانية، رأس دولتنا ورمز وحدة وطننا». وتابع: «يترافق مؤتمرنا هذا مع أحداثٍ بالغة الأهمية يشهدها اليمن الشقيق، حيث أدت الصراعات السياسية، مدفوعةً بتدخلاتٍ خارجية، إلى نشوء حالةٍ من الفوضى الأمنية والسياسية، باتت تهدد ليس فقط وحدة اليمن كوطن والدولة اليمنية ككيانٍ سياسي، بل باتت تشكل خطراً فعلياً على الأمن في هذه المنطقة العربية الاستراتيجية»، مشيرا إلى أن «هذا الواقع حدا بالمملكة العربية السعودية، تلبيةً لنداء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إلى قيادة تحالفٍ عسكري عربي وإسلامي للحؤول دون تفاقم هذا الخطر، ولتثبيت الشرعية وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها». وإذ أكد «إيماننا بأهمية اعتماد الحلول السياسية للأزمات الداخلية بعيداً من أي تدخل خارجي في شؤون الدول العربية»، أمل أن «يعود الأمن سريعاً إلى ربوع اليمن حفظاً لأرواح أشقائنا اليمنيين وصوناً لمقدرات بلدهم، تمهيداً لاستئناف الحوار في إطار عمليةٍ سياسيةٍ تستوعب الخلافات، وترمم العلاقات بين مختلف الأطراف، وتضع خريطة طريق للمستقبل»، مؤكداً «حرصنا الدائم على المصلحة العربية العليا وتضامننا مع أشقائنا العرب في كل قضاياهم المحقة»، وداعيا إلى «تحييد لبنان عن كل الصراعات الإقليمية التي قد تنعكس سلباً على الوضع اللبناني». ورأى سلام أن «ما يحصل في اليمن هو واحدٌ من المشاهد التي تدمي القلب، الجارية في أرجاء مختلفةٍ من عالمنا العربي، ففي سورية حربٌ بلا أفق تقضي على ثروات البلاد البشرية والمادية، وفي العراق مواجهاتٌ ضارية مع الإرهاب ومصادمات تهدد وحدة المجتمع العراقي، وفي ليبيا اقتتالٌ عبثي تغذيه الأنانيات والمصالح والأطماع». أضاف: «لكن أخطر ما أنتجته هذه الأحداث، هو ضرب مقومات العيش المشترك بين أبناء البلد الواحد، وتحويل التعدد القومي والديني والمذهبي والثقافي، الذي هو مصدر غنىً للأوطان، إلى هوياتٍ متقاتلة تتمترس خلف أسوارٍ من الخوف المتبادل». ولفت إلى أن «هذا الواقع الأليم، الذي تغذيه مصالح وطموحاتٌ خارجية، بات يشكل تهديداً حقيقياً لتماسك المجتمعات ووحدة الكيانات»، مؤكداً أن «السبيل لكبح هذا المسار الخطير، هو وقف دوامة العنف في مناطق الأزمات والتوجه نحو تسويات داخلية، تغلب المصالح الوطنية على أي مصالح فئوية ودخيلة، وتلبي طموحات الشعوب في العيش بحريةٍ وكرامة، في فضاء إقليمي تحترم فيه الخصوصيات وتلتزم قواعد حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى». تدخلات خارجية متمادية ورأى سلام أن «حالة عدم الاستقرار التي تعصف بمنطقتنا العربية أدت إلى بروز وتضخم ظاهرة الإرهاب، الذي يزرع العنف في بلداننا باسم الإسلام، والإسلام منه براء» . وقال: «لقد تسلل هذا الإرهاب الأسود إلى منطقتنا من ثقوب الجهل، من وعيٍ زائفٍ للدين... وجاءنا من غرف التآمر ومعامل توليد الفتن، فعمم الفوضى وسمح بتدخلاتٍ خارجيةٍ متمادية في العديد من الدول العربية».أضاف: «إننا مدعوون، نحن الذين نتشارك الماضي والحاضر والهوية، ونتشاطر الهم ونتلقى الأذى، إلى إقامة سد دفاعي أمني وسياسي وفكري في وجه هذه الحالة الشاذة. وهذا يتطلب قراراتٍ حاسمةً تجند لها كل الإمكانات، ويستدعي استنفار كل القوى التنويرية في مجتمعاتنا. ومن هذا المنطلق، فإننا نساند أي خطوةٍ تتخذها قمتنا في هذا الاتجاه، ونؤكد تأييدنا إنشاء قوة عربية مشتركة لمكافحة الإرهاب وصون الأمن القومي العربي». ولفت إلى أن «لبنان عانى، ولا يزال، من الإرهاب العابر للحدود. ولقد دفعنا ثمناً بشرياً ومادياً باهظاً قبل أن نتمكن من وضع حد لهذه الموجة بفضل قرارنا السياسي الحاسم الذي التف حوله اللبنانيون، وبفضل صلابة ويقظة جيشنا وقواتنا الأمنية». وقال: «لا بد لي في هذا المجال من أن أتوجه، باسم اللبنانيين جميعاً، بالشكر والعرفان إلى المملكة العربية السعودية التي قدمت هبةً ماليةً غير مسبوقةٍ لتسليح قوانا المسلحة. ونحن نؤكد أن لبنان لن ينسى هذه الوقفة الأخوية الصادقة التي سبقتها وقفاتٌ كثيرة محفورة في ذاكرتنا الوطنية». وإذ أشار إلى أن «العامل الأساس في تمكيننا من التصدي للموجة الإرهابية، هو المجتمع اللبناني الذي لفظ الإرهاب وأثبت بالملموس أنه لا يشكل بيئةً حاضنةً له»، قال: «لا مكان في بلادنا وفي صفوف شعبنا لهؤلاء الظلاميين. نحن في لبنان متشبثون بنموذج العيش المشترك بين أبناء الطوائف المختلفة، الذي يتسع للحوار والتسامح وقبول الآخر، ونعتبره تجربةً مضيئة مناقضة لنموذج التطرف والإقصاء والإلغاء الذي تقدمه لنا منظمات الإرهاب، ولنموذج الصلف والعنصرية الذي تمثله إسرائيل». وأكد أن «حكومتنا التزمت، ولا تزال، مبدأ النأي بالنفس عن الحريق السوري المستعر في جوارنا. وسعينا، ولا نزال، لكي يكون الالتزام بهذا المبدأ كاملاً، بحيث نجنب بلادنا تبعات هذه المأساة التي تعصف بسورية الشقيقة، والتي نرى أن لا خلاص لها إلا بحل سياسي يتوافق عليه السوريون». وقال: «لقد لفحنا الحريق السوري بقوة، وألقى في حضن لبنان أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري، مع ما يعنيه ذلك من تبعات وأعباء على كل المستويات، في بلد يعيش وضعاً اقتصادياً صعباً، ويعاني أساساً من ضعفٍ في بناه التحتية»، مشيراً إلى أن «الحكومة اللبنانية سوف تتقدم بخطة مفصلة لحاجات لبنان، في القمة الثالثة للدول المانحة للنازحين السوريين، التي ستتكرم الكويت مشكورةً باستضافتها بعد يومين. ونأمل أن تلقى هذه الخطة كل اهتمام ودعمٍ من جانبكم». وتطرق إلى القضية الفلسطينية ورأى أن «كل الجهود الديبلوماسية التي بذلت على مدى سنوات، أخفقت في فرض حل عادل لها. وها هو المجتمع الإسرائيلي يكشف، كما بينت نتائج الانتخابات الأخيرة، عن تجذر مشاعر التطرف والعنصرية في داخله، ويبلغ العالم أنه لا يريد التفاوض مع الفلسطينيين ولا الاتفاق معهم، وأن سياسات الاستيطان وتغيير الديموغرافيا مستمرةٌ، وأن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية باقٍ إلى الأبد». واعتبر إن «الرد العربي، وعلى رغم كل الهموم والانشغالات، يجب أن يكون واضحاً لإسرائيل وللعالم، وهو أن الشعب الفلسطيني ليس متروكاً»، داعياً «الفلسطينيين إلى تزخيم خطوات المصالحة، ووضع خطة موحدة للتعاطي مع المرحلة المقبلة. ونعلن وقوفنا إلى جانب السلطة الفلسطينية، في أي مساعٍ تبذلها في المحافل الدولية لتوسيع الاعتراف بدولة فلسطين». وأكد انه «على رغم كل المآسي المحيطة بنا. وكل الضيم والوجع والأسى نقول: العيش في الظلام ليس قدر العرب. والعجز ليس سمةً موروثةً فيهم. هذه الغمة المديدة ستنقشع، وسنخرج مما نحن فيه من ضيق، بوعينا لذاتنا وبإدراكنا مكامن قوتنا وبإيماننا بما في هذه الأمة من قدرات». وقال: «نعم نحن قادرون. وعلينا أن نثبت ذلك لكي نتمكن من النظر في عيون أطفالنا ونقول لهم: لن تكونوا على قارعة العصر... نحن العرب، لنا تحت شمس هذا العالم، مكانٌ ثابتٌ وراسخٌ وفسيح». وكان في استقبال سلام لدى وصوله الى شرم الشيخ رئيس وزراء مصر ابراهيم محلب، ورئيس الجامعة العربية نبيل العربي، وفي صالون الشرف استقبله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في حضور محلب والعربي، وعقد مع السيسي خلوة قصيرة. والتقى سلام على هامش القمة العربية، كلاً من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس العراقي فؤاد المعصوم، وكان عرض للأوضاع والتطورات. ثم التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في حضور الوزراء: نهاد المشنوق، جبران باسيل وسجعان قزي. كما التقى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل. وشارك في مأدبة الغداء التي أقامها الرئيس المصري على شرف الرؤساء والملوك العرب المشاركين في القمة العربية. موسى:تصريحات إيران تتطلّب وقفة عربيّة الى ذلك، رأى أمين عام جامعة الدول العربية السابق عمرو موسى، أن «للأحداث التي تجري في اليمن تأثيراً مباشراً في لبنان»، معتبراً أن «ما يجري في اليمن يهدّد المنطقة ككلّ، وبالتالي يستحق التدخل العربي لوقف تمدّده الى بقية الدول العربية». وأشار في حديث ل «صوت لبنان»، الى أن «الرسالة وصلت، ومصر لن تقف مكتوفة اليدين إزاء ما يحصل في اليمن»، لافتاً الى أن «هناك سياسات تجتاح الاستقرار في اليمن وتهدف الى إشعال نار حرب أهلية هناك، وهذا الوضع لا يهدد فقط السعودية بل مختلف الدول العربية»، مضيفاً: «يجب أن نرتقي الى مستوى المسؤولية، ووقف هذا التدهور الخطير في اليمن». وأكد أننا «فوجئنا بالتصريحات الإيرانية عن أن بغداد عاصمة غير عربية، ما يهدّد طبيعة العراق ودوره، وهو أمر مهين للعرب ويتطلّب وقفة عربية»، مشيراً الى أنه «بات لدى الكثيرين شعور بضرورة تعديل نظام العرب وتشكيل قوة عسكرية، وعلى الدول العربية أن تقف كلّها وقفة واحدة»، وقال: «تأخرنا كعرب في التدخل، ولكن أن تجيء متأخراً أفضل من ألا تأتي».