استوقفتني ذكرى اليوم الوطني ال 94 للمملكة العربية السعودية، لمراجعة السفر الكبير لهذا البلد في كافة المجالات، وما حققته القيادة لشعبها من منجزات عظيمة ولمكانة الدولة خليجياً وعربياً ودولياً، حتى وصلت لما هي عليه الآن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان من أن تصبح من الدول المتقدمة والرائدة بالجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، وسر نجاحها في ذلك هو وضوح الرؤية للآباء المؤسسين وما كانوا يطمحون له لدولتهم وقدرة وإيمان الأبناء لاستكمال الطريق بخطوات وخطط استراتيجية هدفها الأساس أن تظهر المملكة دولةً ناجحةً، في أحد مفاصل الدولة، على المستوى الخارجي، هو نصرة القضايا العربية، ومنها القضية الفلسطينية وعلى امتداد سنوات هذه القضية، ويمكن أن نلحظ حجم التأثير الكبير الذي تمارسه الرياض في هذا الوقت، للاستدلال على موقفها الصلب، هو خطاب سمو ولي العهد محمد بن سلمان بافتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، الذي أشار فيه إلى تصدر القضية الفلسطينية اهتمام بلاده، ورفض المملكة وإدانتها لما يجري بحق الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وهو مؤشر على أن المبدأ لا يتجزأ لدى المملكة وقيادتها وشعبها. إن التطورات المتسارعة في المنطقة وفشل الحلول لوقف تداعيات الحرب في غزة ولبنان، لم يجعل السعودية عاجزة عن تقديم مقاربات جديدة، بل تقدمت بفعل دبلوماسي لم يسبق أن تحقق وهو تشكيل تحالف عالمي لإقامة دولة فلسطينية، رغم كل التعقيدات الحالية، معتمدة على الدبلوماسية كخيار أكثر حكمة وأقل تكلفة، لكي تجنب المنطقة اختلال موازين القوى، ويعد خياراً أفضل من الدخول في مواجهة عسكرية الذي لا تحبذه الدول التي لا تمتلك القدرة أو الإرادة لتحمل تكاليفها، فإيمان المملكة بأن الدبلوماسية هي الوسيلة الأكثر استدامة في هذه الحالة هو الطريق السليم لإيجاد الحلول بعيداً عن الشعارات التي دفعت الشعوب إلى الدمار؛ فالتحالفات الدولية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تحريك الملفات المستعصية، حتى لو بدا أن نتائجها غير منظورة على المدى المنظور، فهذه التحالفات قد لا تقتصر على المؤتمرات والاجتماعات، بل قد تكون أدوات للتأثير على موازين القوى والدفع باتجاه تسويات سياسية منتظرة لإنهاء صراع كلف المنطقة والعالم الكثير، ولم تتوقف المملكة عند حدود التحالف الدولي هذا، بل انطلقت لدعم الفلسطينيين بالوسائل الاقتصادية وتقديم المساعدات المادية والمعنوية. إن المتابع لمواقف المملكة العربية السعودية في العديد من القضايا العربية والدولية يجد أنها تستند إلى فلسفة إحلال السلام وتدعيم الاستقرار وبناء المصالح المشتركة كمبدأ ثابت لا يمكن الحياد عنه، وهذا النهج جاء نتيجة تجارب طويلة تمتد مع عمر هذا البلد المعطاء، كشفت أن رفعة الدول يتمثل بالثبات على المبدأ.