تخيل منظمة تعمل فيها بحماس كل يوم؛ لأن أهدافها تتوافق مع أهدافك. هذا ليس حلمًا بعيد المنال، بل واقع يمكن تحقيقه من خلال فهم قيم المنظمة بشكل صحيح، فماذا تعني قيم المنظمة؟ قيم المنظمة Values هي المعتقدات والأفكار والتفضيلات لدى معظم منسوبي المنظمة. وهناك نوعان من القيم، قيم فطرية وثابتة يتفق ويشترك فيها جميع الموظفين، ومنها: الصدق، والنزاهة، والعدالة. وهناك قيم موقفية تُحدد بناءً على مصلحة المنظمة في الوقت الراهن مثل: الابتكار، والمرونة، والتكيف، لذلك فهي تتغير بما يتوافق مع ظروف المنظمة. أما دور القيم فهي توجه سلوك المديرين والموظفين إلى ما هو صحيح أو خاطئ، جيداً أو سيئاً. ربما لاحظت في تعريف القيم الذي ذكرناه أنها تكون بناءً على «تفضيلات» موظفي المنظمة، وهذا يعني أن تفضيلات المنظمة تكون مختلفة بين المنظمات، ومتجددة من فترة زمنية إلى أخرى، ومتغيرة من مجتمع إلى آخر، ومتطورة من دولة إلى أخرى، لذلك ليس من الصحيح نسخ قيم منظمة ما ولصقها في منظماتنا. إذاً، كيف يمكننا تحديد قيم منظماتنا؟ تتشكّل قيم المنظمة من ثقافتها، أي ما هي أكثر السلوكيات الإيجابية ممارسة بين الموظفين. ويتم ذلك بمنهج علمي وباستخدام عدة أدوات علمية، مثل: الاستبيانات والمقابلات والملاحظات الميدانية. هذه الأدوات تساعد المنظمة على معرفة قيمها الثابتة والموقفية بشكل صحيح ودقيق. وأذكر ذات مرة أنني عرضتُ خطة إستراتيجية لمنظمة ما على مجموعة من القادة المتخصصين في مجالات متنوعة غير مجال الإدارة أو الإستراتيجية وتضمنت الخطة قيم المنظمة، فاقترح أحد المبادرين منهم إضافة قيمة وحذف أخرى، واعترض آخر عليه فاقترح قيمتين وحذف أخريين، واستمرت الاقتراحات الإبداعية تتهافت حتى نفدت، فابتسمت لهم وشكرتهم على اقتراحاتهم، ووضحتُ بأن القيم تُحدد بمنهجية علمية وبآلية عملية وأدوات معينة، ولا تتم باقتراحات إبداعية أو كلمات رنانة. وهنا نلاحظ بأن إجراء تحديد القيم بدقة ليست عملية سهلة ولا هي مُعقدة، لكنها تتطلب متخصصاً أو ممارساً لاستنباطها من ثقافة المنظمة، فما هي فائدتها على المنظمة؟ قيم المنظمة لها فوائد عديدة، منها أنها تجذب المواهب وتحتفظ بهم. بناءً على دراسة بعنوان Talent management and firm performance in emerging markets: a systematic literature review and framework المنشور عام (2023) لمجموعة من الباحثين يوضح البحث بأن القيم تلعب دوراً مهماً في جذب واستبقاء الموظفين المخلصين الموهوبين، خاصةً إذا كانت قيمهم الشخصية تتوافق مع قيم المنظمة، حيث إنها تزيدهم من الشعور بالانتماء والولاء للمنظمة، فضلًا عن أنها تعزز من الرضا الوظيفي وتمييز المنظمة، وهذا ما يسلط عليه الضوء في عنوان المقال. تلخيصاً لما سبق، قيم المنظمة هي المعتقدات والتفضيلات التي تُشكل سلوك الموظفين وتوجه قراراتهم، وتنقسم إلى قيم فطرية ثابتة مثل الصدق والنزاهة، وقيم موقفية تتغير حسب ظروف المنظمة واحتياجاتها مثل الابتكار. تتحدد قيم المنظمة من ثقافتها الإيجابية فقط. وتتطلب عملية تحديد القيم دراسة عميقة لثقافة المنظمة وسلوكيات موظفيها باستخدام منهجيات علمية مثل الاستبيانات، وتحديدها ليس بالأمر السهل ولا المُعقد، بل تتطلب من المتخصص في الإدارة أو الإستراتيجية دقة لاستنباطها بالشكل الصحيح، ويكون موضعها في الخطط الإستراتيجية للمنظمة. تلعب القيم دوراً مهماً في جذب واستبقاء المواهب المخلصة، مما يسهم في نجاح المنظمة على المدى الطويل. أخيراً، قيم المنظمة ليست مجرد كلمات على ورق، بل هي روح تسري في عروق الوطن وتنبض بها قلوب الموظفين. وعندما تتوافق قيم الفرد مع قيم المنظمة، وقيم المنظمة مع قيم الوطن، نخلق معاً مستقبلاً مشرقاً يفخر به الجميع.