•• التقطت هاتفي المحمول من على الطاولة؛ لأدوّن جملة قالها قلبه الدافئ.. هبطت عليَّ الجملة وكأنها نشيد لأحد الملائكة الصغار.. قال الروح الطيبة: «ما إن يحلُّ شهر جديد حتى أبحث عن متعثِّر لسد مصاريف بيته وأسرته حسب قدرتي المالية، فسعادتي أن أرى الفرح العظيم يعانق أي عائل».. أجمل كلام شنَّف أذني من إنسان يستمطر عليه الحب فيستوطن به أرواح عابري السبيل. •• هذا الصديق النقي مع إملاقه؛ يتتبع المتأففين من ضغوط الحياة ليحمل لهم إبريقاً مليئاً بالبهجة.. يبحث عن الأنفس العفيفة عالية الخجل التي يحسبها الجاهل غنية من التعفف.. يتقَّصى بإنسانيته عن معسر لا يشعر بحلاوة حياة هجمت عليه مرارتها.. يستقصي بنشوة خفيفة سعادة تحتضن نسيماً عليلاً تدغدغ وجداناً ضعيفاً.. يتحرى عن إخاء يتأوه منه السوس الأسود الذي تمتلئ به النفوس الشحيحة. •• هناك أناس نقرأ في وجوههم اضطراباً من شدة العوز؛ يبرزه قلق هيئتهم الذليلة رغم تعابير وجوههم الهادئة.. وهناك من يطلق صوتاً حزيناً من شدة الشقاء في سبيل لقمة عيش؛ تظهر في نظراته الواهنة الكئيبة وابتسامته الشحيحة المسكورة.. وهناك من يتضخم قلبه بحزن كظيم من شدة تورم سحنته الشاحبة.. تلك الصدور المتوغرة خرجت من أرواح متخثرة، طبعتها على الوجوه تجاعيد الزمن. •• هؤلاء الأغنياء من التعفف يجرون خيبات الأمل فينا جراً.. لم نشعر برعدة الحاجة السارية في عروقهم.. ولم نكافح فيهم عدوى الفقر.. ولم نطبق معهم معايير المكافحة.. اكتفينا فقط في أبحاثنا العلمية بالدخول في أدق تفاصيل الفقر، وأهملنا مبادئنا الإنسانية فاعتدينا عليهم بنسيان فقرهم.. وحين فقأنا جراحاً في أرواحهم بسكين تجاهلنا وحكاوينا عن الفقر؛ نسينا أنهم مربوطون في حِجِر العوز الثقيل.