في الاحساء غنى، ولكن به فقر كثير. وفيه اغنياء وميسورن ولكن به فقراء ومحتاجون كثر. وفيه عطاء، ولكن فيه شح كثير. وعليه، فقد يكون الفقر بمعنى الافتقار الى التمتع بمستوى المعيشة المعتادة والسائدة. وهذا يعني ان له ابعاده على الحياة، التي هي الانسان والارض والمجتمع. الفقراء لهم نفس مشاعر الاغنياء ونفس انسانيتهم. الفقراء لا يقلون عن الاغنياء ذكاء، وفطنة، وادراكا. الفقراء يشتركون مع بقية البشر الاغنياء في جميع الخصائص الجسدية والنفسية. كلهم اولاد آدم وحواء. ولكن هذا فقير وذلك غني. هل يعود فقرهم هذا الى الفشل في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية؟ يمكن ان يكون ذلك، ويمكن ان يكون هناك جملة من الاسباب الاخرى المربكة لهذه العلاقة، التي تفرض على كل انسان ان يخشاه، ويحاربه ويكرهه، خوفا من ان يلاقي نفس المصير. الفقر يشكل تهديدا للكرامة وللعزة والنخوة والشهامة لدى الفقراء. الفقر شي لا نراه، لكنه كالكهرباء نحس بوجوده وتأثيره. الفقر معطل للقدرات، ويحول الحياة الى مزبلة، وضياع، وفوق هذا، يستبيح المحرمات، ويقوي الموبقيات. يتواجد الفقر مع كل تجمع سكاني على وجه الارض. تجده في المدن، والقرى، والارياف، والهجر، وحتى مع البادية. تجده في البر والبحر. ونقول: الارض فقيرة، والانسان فقير. ونقول: الدول فقيرة، والشعوب فقيرة. ويقول علي بن ابي طالب رضي الله عنه: (لو كان الفقر رجلا لقتلته). الفقر ليس له وطن، وليس له لغة، وليس له لون، لكنه صفة، تلصق بكل انسان، ينتمي الى شرائح خطوط الفقر المتفاوتة بين البلاد والمجتمعات. واقسى درجات الفقر قاطبة، هي عند هؤلاء الذي لا يستطيعون تأمين اساسيات متطلبات الحياة، وهي الغذاء والكساء. لذلك يشكل هذا المقياس القاعدة الاهم لهرم احتياجات البشر. وتحت هذه القاعدة يكمن الموت. امام الموت ينهزم الانسان، وتنكسر فيه كل القوى الاخرى. امام الموت كل شيء مباح، الا الموت. فهل تستطيع الموت جائعا، والزاد من حولك؟ مع الفقر، يسود المرض والجهل. مع الفقر، تتآكل وتتهدم قواعد واساسيات الكرامة الانسانية. مع الفقر، تتفشى خيوط التخلف، وتسود مساحات النقمة، ويصبح لها جذور. مع الفقر، يتم استغلال الفقراء لشتى المآرب. ينتشر الفقر، مع قلة الدخل الذي يؤمن الاحتياجات الضرورية للحياة. يقل الدخل، في ظل وجود البطالة. وتوجد البطالة، في ظل قلة فرص العمل. وتقل فرص العمل، في ظل كثرة الباحثين عن عمل. ويكثر الباحثون عن العمل، في ظل هجرة الايدي العاملة من مكان لآخر. وفي ظل سوء توزيع الخطط التنموية على الاقاليم الجغرافية، وفي ظل سوء الادارة وقلة الامانة والقيم الانسانية. وفي ظل الانانية، وفي الاستغلال والاقطاع والاستعباد، وفي ظل الاجتهادات غير الموفقة. وفي ظل الكثير من العوامل الاخرى. ينتشر الفقر عندما تطغى مصالح الفرد على مصالح الوطن واهله. ينتشر الفقر مع الجهل، ومع وأد الحقوق، ومع موت الضمير. ينتر الفقر مع خزن (الذهب والفضة) وعدم تشغيلها، ينتشر الفقر مع تهجير (الذهب والفضة) وخيرات الديار عن اهلها. كل المبادئ والديانات، اخذت على عاتقها محاربة الفقر وبطرق شتى. معظم الذين ناصروا الديانات عند ظهورها، كانوا من الفقراء. لم يكونوا من الاغنياء، وعلى رأسهم الاسلام. الفقراء قوة يمكن ان تتحالف حتى مع الشيطان، للخروج من فقرها وعوزها وحاجتها وذلها. تسأل: وماذا اخسر مع هذا الفقر؟ الفقر للرجال وللنساء وللاطفال كموارد بشرية. الفقر للارض وثرواتها كموارد طبيعية. الفقر حتى في المؤسسات الاجتماعية، من مدارس وطرق ومستشفيات. الفقر في ظل وجود الغنى، يعكس تخبط المخططين وجشع المعنيين، وغفلة الناس اجمعين. الفقر عدوى ونتائجه عدوى، ومشاكله عدوى، وفوق هذا، يرثه الناس وينتقل من جيل الى آخر. وكنتيجة، يكون الفقر مشكلة، ولها الكثير من الخياارت لحلها. وفي تجاهل الفقر، تتخلق الازمات ويصبح لها هياكل واضحة ومحسوسة. ومعها تظهر عواصف البر والبحر. الاحساء كمجتمع بشري، فيه الفقراء الذين ينقصهم الغذاء، ويزدحم بهم المكان وينقصهم الكساء. ولكن لماذا الفقر في الاحساء؟ لا تهم الاجابة، ولكن الامر المحير، ان تكون فقيرا وانت غني.