يُقال جاد الرجل بماله، أي يجود جودًا، ويُقال رجل جواد أي سخي، وهو شيء يدل على التسمح بالشيء وكثرة العطاء، وقال أحدهم: الجواد هو الذي يعطي بلا مسألة صيانة للأخذ من ذل السؤال، يقول الزبيدي: وما الجود من يعطي إذا ما سألته ولكن مَن يعطي بغير سؤال اسوق هذه المقدمة ونحن نعيش أجواء شهر رمضان المبارك، حيث التنافس على الخير في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وليس الغرض أن نستحث القوم على دفع زكاة أموالهم، فهذا ليس جودًا ولكنه فرض فرضه الله وهو مال يؤخذ به من الأغنياء ويرد على الفقراء، وليس في ذلك منّة على أحد. وفي الوقت الذي تزدحم الأسواق والشوارع بالمتسوّلين وهم الذين يملكون الجرأة على السؤال، ويقفون في الممرات والطرق المؤدية الى المساجد وفي كل مكان، نجد أن هناك من القوم الذي يعانون من الفقر والعوز ولكنهم لا يسألون الناس إلحافًا، تحسبهم أغنياء من التعفف. إن هؤلاء القوم وجلهم من كرام القوم ومن كرام النفوس هم الذين ينبغي أن نسعى للوصول إليهم، ونسخى ونجود العطاء لهم ليس من مال الزكاة فحسب، بل مما تجود به النفس. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجود من جود الله، فجودوا يجد الله عليكم، إلاّ أن الله تعالى خلق الجود فجعله في صورة رجل، وجعل أصله راسخًا في شجرة طوبى، وشد أغصانها بأغصان سدرة المنتهى، ودلى بعض أغصانها إلى الدنيا، فمَن تعلّق بغصن منها أدخله الله الجنة، لأن السخاء من الإيمان، والإيمان في الجنة، وخلق البخيل في مقته، ولأن البخل من الكفر، والكفر في النار وأيضًا (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط فقال: لا) وقد كان سيد الخلق أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وعلينا أن نستقصي عن أولئك الذين لا يسألون الناس إلحافًا، حيث يكون العطاء في مكانه حتى ولو تحملنا في سبيل ذلك المشاق، إنهم أمانة في أعناقنا، وقد كثر عددهم نتيجة لمتغيرات الزمان. وإن الجود لهؤلاء دليل لكمال الإيمان، ورفعة مكانة الإنسان في الآخرة، فضلا عن أنه يقلل الأعداء والحساد، وإن على الجمعيات الخيرية وجميعات البر أن تعيد النظر في طرق توزيع الزكاة والصدقات بما يضمن الوصول إلى مَن يتعذر لهم الوصول الى الجمعيات ممّن تحسبهم أغنياء من التعفف.